سياحة البلاستيك!
سنابل موقوتة
الأربعاء / 3 / ذو القعدة / 1441 هـ - 21:00 - الأربعاء 24 يونيو 2020 21:00
لو افترضنا أنك دخلت في غيبوبة ثم استيقظت فجأة وأنت في بقعة خضراء يحيط بك الماء والخضرة والجو العليل، ويتسلل الضباب بين أغصان الأشجار كأنه يحرس المكان، ورأيت الغيم يقترب منك كمن يعتقد أنه يعرفك ويريد أن يدقق في ملامحك ليقضي على شكه باليقين، فحاول جاهدا وأنت في هذه الحال أن تستجمع قواك وتركز، وكخطوة أولى وحتى لا يذهب تفكيرك بعيدا وتظن أنك في الجنة، وتبدأ في البحث عن حور العين فإن أول ما يجب أن تفعله هو إمعان النظر في المكان الذي استيقظت فيه، فإن وجدت أكواما من النفايات، ووجدت أكياس البلاستيك ترفرف بجوارك فتوقف عن التفكير في الجنة واعلم أنك حتما في أحد متنزهات عسير، قد تكون في السودة أو دلغان أو لعلك تكون في أحد متنزهات باللسمر أو في تنومة أو ربما تكون في النماص، وإن رأيت أكياس البلاستيك والنفايات تكاد تطغى على اللون الأخضر فعلى الأرجح أنك استيقظت من غيبوبتك الطويلة في متنزه شيبانة في محافظة بلقرن العظمى. وهو متنزه جميل ووادع، لكن عيبه الوحيد أنه يحتفظ «بقراطيسه» طويلا. وهذا من باب الحفاظ عليه كما أظن.
والحقيقة وبعيدا عن الغيبوبة - ليس كثيرا - أن هذا حديث متكرر يعاد كل عام، فجمال المنطقة وطقسها البديع في واد وما يفعله البشر بها في واد آخر، وأتوقع أن كمية البلاستيك التي يتركها الناس خلفهم في تلك المتنزهات لو جمعت لكانت كافية لصناعة كوكب من البلاستيك.
ودعونا نتفق أن «الوعي» هو الذي يعيش غيبوبة منذ فترة ليست بالقصيرة، وأن الفشل الذريع المريع كان حليف التركيز على المواعظ وحث الناس على أن يتعاملوا مع بيئتهم بطريقة مسؤولة. الناس - لأسباب لا أعرفها - أصبحوا يكرهون النصائح والمواعظ ويعدونها تدخلا في حرياتهم الشخصية، لا أحد يحب الاستماع لأحد.
ثم دعونا نتفق مجددا أن العقوبات الرادعة أثبتت أنها الوحيدة القادرة على ضبط سلوك الناس وتحييد خطرهم على أنفسهم ومجتمعهم وبيئتهم.
بالطبع لا أطالب بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة لمن يترك خلفه أكواما من النفايات، صحيح أن الفعل مستفز وقذر، لكن الجزاء لا بد أن يكون من جنس العمل، أي إن تفعيل قوانين الخدمة المجتمعية كعقاب ربما يكون حلا، بحيث يجبر الشخص المخالف من خلال سن أنظمة وقوانين تتعلق بهذا الأمر على العمل في تنظيف المتنزهات فترة تتناسب مع جريمته، أو يفتدي ساعات عمله بغرامة مؤذية تجعل أكياس البلاستيك تطارده حتى في منامه.
وعلى أي حال..
وبالحديث عن السياحة والماء والخضرة - يستثنى الوجه الحسن لأسباب رقابية - فإن مقومات السياحة في عسير لا زالت قائمة على ما خلقه الله، ليس هناك كثير من الخدمات التي تجعل الأمر مغريا بالذهاب، فمكيف الهواء يغني عن الجو العليل، ومشاهدة الصور تكفي عن مشاهدة الطبيعة، خاصة إن كان الأمر يستدعي أن تصرف في رحلتك في جولة من الباحة إلى أبها أكثر مما ستصرفه في جولة تشمل كل القارة الأوروبية، وأن ما ستدفعه للإقامة في شقة لا يعلم حالها إلا الله في أبها يعادل ما ستدفعه للسكن في فندق من ذوات العشرين نجمة في مكان آخر.
agrni@
والحقيقة وبعيدا عن الغيبوبة - ليس كثيرا - أن هذا حديث متكرر يعاد كل عام، فجمال المنطقة وطقسها البديع في واد وما يفعله البشر بها في واد آخر، وأتوقع أن كمية البلاستيك التي يتركها الناس خلفهم في تلك المتنزهات لو جمعت لكانت كافية لصناعة كوكب من البلاستيك.
ودعونا نتفق أن «الوعي» هو الذي يعيش غيبوبة منذ فترة ليست بالقصيرة، وأن الفشل الذريع المريع كان حليف التركيز على المواعظ وحث الناس على أن يتعاملوا مع بيئتهم بطريقة مسؤولة. الناس - لأسباب لا أعرفها - أصبحوا يكرهون النصائح والمواعظ ويعدونها تدخلا في حرياتهم الشخصية، لا أحد يحب الاستماع لأحد.
ثم دعونا نتفق مجددا أن العقوبات الرادعة أثبتت أنها الوحيدة القادرة على ضبط سلوك الناس وتحييد خطرهم على أنفسهم ومجتمعهم وبيئتهم.
بالطبع لا أطالب بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة لمن يترك خلفه أكواما من النفايات، صحيح أن الفعل مستفز وقذر، لكن الجزاء لا بد أن يكون من جنس العمل، أي إن تفعيل قوانين الخدمة المجتمعية كعقاب ربما يكون حلا، بحيث يجبر الشخص المخالف من خلال سن أنظمة وقوانين تتعلق بهذا الأمر على العمل في تنظيف المتنزهات فترة تتناسب مع جريمته، أو يفتدي ساعات عمله بغرامة مؤذية تجعل أكياس البلاستيك تطارده حتى في منامه.
وعلى أي حال..
وبالحديث عن السياحة والماء والخضرة - يستثنى الوجه الحسن لأسباب رقابية - فإن مقومات السياحة في عسير لا زالت قائمة على ما خلقه الله، ليس هناك كثير من الخدمات التي تجعل الأمر مغريا بالذهاب، فمكيف الهواء يغني عن الجو العليل، ومشاهدة الصور تكفي عن مشاهدة الطبيعة، خاصة إن كان الأمر يستدعي أن تصرف في رحلتك في جولة من الباحة إلى أبها أكثر مما ستصرفه في جولة تشمل كل القارة الأوروبية، وأن ما ستدفعه للإقامة في شقة لا يعلم حالها إلا الله في أبها يعادل ما ستدفعه للسكن في فندق من ذوات العشرين نجمة في مكان آخر.
agrni@