الرأي

وزارة السياحة وتطوير رأس المال البشري

علي القاسم
تشرفت في الأيام الماضية بدعوة كريمة من وزارة السياحة لحضور ورشة عمل بالتعاون مع منظمة السياحة العالمية، تهدف إلى مناقشة تطوير رأس المال البشري في قطاع السياحة، للخروج بدراسة شاملة تحمل توصيات لتطوير هذا القطاع. لمست في هذه الورشة وما سوف يتبعها من ورش عمل أخرى مع جهات أخرى ذات علاقة، رغبة الوزارة في تطوير الكوادر السعودية وتحسين بيئة العمل لهم.

في تلك الورشة كانت مداخلتي تتمحور في أربعة محاور رئيسة، من وجهة نظري هي الأبرز والأهم لتطوير رأس المال البشري في هذا القطاع الحيوي والواعد، والذي يشكل ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد العالمي، حيث يعمل فيه أكثر من 350 مليون فرد حول العالم.

المحور الأول والأهم: كان حول تطوير البيئة التعليمية، فللأسف حتى الآن مخرجات التعليم، سواء في تخصصات السياحة والضيافة أو التخصصات الأخرى، لا تحقق بشكل كبير حاجة قطاع العمل السياحي من المعرفة النظرية والعملية والمهارات الشخصية التي تمكن الخريج من الانخراط في سوق العمل بكفاءة وثقة عالية. فالخطط الدراسية وأسلوب التعليم في أغلب الجهات التعليمية لم تطور بشكل صحيح، فنجد أن الخطة الدراسية «المحدودة بعدد ساعاتها» تغطي في مقرراتها جميع قطاعات السياحة «سياحة، وفنادق، وأغذية ومشروبات، وفعاليات، وإرشاد سياحي، وآثار» هذا غير متطلبات الجامعة. فلو أردنا تدريس هذه القطاعات لن تكفيها ثلاثة خطط دراسية.

إضافة إلى أن كثيرا من تلك الخطط لم تطور بشكل علمي، أو أن من طورها غير مؤهل بما يكفي لهذه المهمة. لذلك نجد أن خريجي تخصصات السياحة والضيافة لم يتعمقوا في المعرفة، وإنما تعلموا أساسيات التخصص. وأغلب الجهات التعليمية تدرس مقرراتها باللغة العربية أو بلغة إنجليزية ضعيفة، والمعروف عن قطاع السياحة أنه قطاع عالمي، فالسائح يأتي من كل دول العالم، والشركات المستثمرة في هذا القطاع أغلبها شركات عالمية، وبالتالي لغة التعامل المستخدمة هي اللغة الإنجليزية، وهو ما يضعف خريجي تخصصات السياحة والضيافة.

المحور الثاني: وهو مشكلة التدريب، للأسف هذه المشكلة ليست فقط في قطاع السياحة، وإنما في جميع القطاعات، حيث نجد الدخلاء أو تجار الشنطة، الذين يدعون المعرفة والتخصص، وهم للأسف يستغلون كل فرصة للتكسب بغض النظر عن جودة المحتوى والمخرج.

مشكلة المدربين ليست فقط على مستوى الأفراد، فهي موجودة أيضا في كثير من جهات التعليم، للأسف في بعض الأحيان وليس دائما أغلب تلك الجهات لا تستقطب الكفاءات العلمية ذات الخبرات العلمية والمعرفية بتفاصيل ودهاليز الصناعة، وإنما يركزون على الأقل تكلفة، دون اكتراث للخبرات التي يحملها ذلك المدرب. بمعنى التركيز على الكم وليس الكيف

المحور الثالث: وهو عدم التمكين الجاد للشباب/الشابات السعوديين من تقلد المناصب الإدارية أحيانا والقيادية دائما، فيندر أن نجد قيادات سعودية في قطاع السياحة والضيافة، على الرغم من وجود كوادر ذات خبرات عملية تزيد على 15 سنة عمل في هذا القطاع. فتمكين الكفاءات السعودية أمر في غاية الأهمية، لأن وجود قيادات سعودية يسهل تمكين الجيل الجديد هذا أولا، إضافة إلى أن تلك الكفاءات بالنسبة للجيل الجديد تعتبر قدوات ونماذج يحتذى بها في الكفاح والصبر، وتجاوز التحديات حتى تمكنوا من الوصول لتلك المناصب، وهو ما يساعد على استدامة الموظف الجديد في العمل.

المحور الأخير: وهو في الممارسات الإدارية والتنظيمية، وممارسات الموارد البشرية في الشركات السياحية وغير السياحية، فأغلب تلك الممارسات إن لم يكن جميعها طورت في الشركات الأم في أمريكا وأوروبا، ونقلت للشركات المحلية في السعودية ثم طبقت دون تطوير لها لتتناسب مع طبيعة وثقافة المجتمع المحلي.

مثال على تلك الممارسات السلبية «تقييم الأداء» فنظرة المجتمع الغربي لهذه الممارسة تختلف إلى حد كبير عن نظرة المجتمع الشرقي لها، نحن في المجتمع الشرقي لا نتقبل من رؤسائنا النقد أو ما يقلل من إمكاناتنا أو أدائنا حتى وإن كان ذلك حقيقة، لذا يضطر المديرون لمجاملة الموظفين بتقييم أداء غير حقيقي، تفاديا لردة الأفعال الغاضبة من المرؤوسين، لذا يصبح التقييم شكليا وليس لغرض التطوير. تكرار تطبيق تلك الممارسات بشكل خاطئ يسبب عدم رضا وتوافق بين الموظف وإدارة المنشأة، وبالتالي يؤدي إلى ضعف الأداء أو إلى ترك العمل. الأمثلة كثيرة جدا على تلك الممارسات الخاطئة، والمشاكل التي تواجه تطوير هذا القطاع، وتحتاج إلى أكثر من مقال وبحث، سنتناولها في الأيام المقبلة، متمنين لهذا القطاع مزيدا من التطوير.

alialgassim@