الرأي

الابتكار في زمن الأزمات

عبدالله آل عطية
عند ظهوره في ديسمبر الماضي، كان فيروس كورونا المستجد COVID-19 محصورا في الصين، حيث لم تكن قد ظهرت بعد أية حالة خارج ذلك البلد، ولكنه خلال أشهر قلائل أصبح مشكلة عالمية، وانتشر في معظم دول العالم، وأصبحت الأرض موبوءة، وبات تهديدا عالميا وخطرا شديدا على صحة البشر، وعلى النظم الصحية، واقتصادات هذه الدول، خاصة الدول التي تفشى فيها الفيروس بشكل كبير، وأعلنته منظمة الصحة العالمية جائحة عالمية. واستجابة لذلك اتخذت الدول عددا من الإجراءات والاحترازات للحد من انتشاره، والقضاء عليه، ويعد النموذج السعودي في مواجهة انتشار الفيروس من النماذج الناجحة التي استجابت بشكل مبكر لهذه الجائحة، وأصبح نهجا احتذت به عديد من الدول في مواجهة انتشاره.

وعلى الرغم من أن الأزمات والكوارث والأوبئة مؤلمة ومكلفة، إلا أنها تعزز فرص الابتكار، وتولد الأفكار الخلاقة، حيث تنشط في الإنسان تلك الغريزة المتعلقة بالبحث عن حلول، عندما يكون مكبلا بالتحديات ومحاطا بالظروف الصعبة، وحينما يصطدم بمتغيرات وواقع يحتم عليه التفكير خارج الصندوق وبعيدا عن المألوف.

ولعل أزمة فيروس كورونا الجديد كانت شعلة الابتكار التي يبدو أنها سوف تزيد من فرص التقدم من خلال التخلص من نموذج تفكيري قديم ومألوف إلى نموذج تفكيري جديد وأفضل، ففي خضم هذه الجائحة تتحرك عجلة الابتكارات، لتخلق فرصا أكثر للمبدعين وللتحول إلى الأفضل. فمع ازدياد الطلب على الكمامات وأجهزة التنفس الصناعي وعبوات المطهرات اليدوية والأقنعة وغيرها من الوسائل التي تحد من انتشاره ظهرت الدعوات الجادة لتكثيف أنشطة البحث والتطوير والابتكار وتكييف كثير منها نحو العمل في خلق الحلول لهذه الأزمة، ويزيد من ذلك التدابير المتخذة التي أدت إلى إغلاق الدول وأنشطتها المختلفة ومنع تصدير هذه المنتجات، مما انعكس بشكل سلبي على الدول غير المكتفية منها، فضلا عن توقف الأعمال والأنشطة المختلفة وتعثرها، الأمر الذي يخلق لدينا التأمل في ضرورة تشجيع الابتكار في الأزمات.

وتبرز هنا أهمية الاستثمار في البحث والتطوير، وتشجيع الابتكار، خاصة أن الأزمات تسرع من وتيرة الأبحاث، فقد أصبحت الدول الآن أكثر تقبلا وإقبالا على اللجوء إلى البحث والتطوير والابتكار والاكتشاف لإنهاء هذه الكارثة العالمية، من خلال إعادة تخصيصها للمزيد من الموارد نحو الابتكار وتمويل أنشطة البحث والتطوير، وذلك لخلق منتجات وخدمات تنافسية تعيد الموازين إلى أنصبتها، ولا يخفى علينا ما دعا إليه خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في قمة العشرين الافتراضية المنعقدة مؤخرا من تشجيع لتمويل أنشطة البحث والتطوير من أجل إيجاد الحلول لهذه الأزمة العالمية.

وفي هذا السياق أرى أن هذه الأزمة تخلق فرصا جديدة تعزز دور الابتكار الذي قد يساهم في إيجاد موارد جديدة سواء للقطاع الحكومي أو القطاع الخاص لم تكن على بال أحد، وأقترح على مسؤولي التخطيط والتطوير، ومسؤولي الموارد البشرية في هذه المنظمات، التعاون في دعم ومساعدة الممارسين والموظفين في القطاعات المختلفة لديهم، وتشجيعهم على إيجاد الابتكارات الفعالة التي تنعكس على المنظمة وعلى المجتمع بشكل إيجابي. والسعي نحو إطلاق برنامج رسمي للابتكار داخل المنظمة يقدم الدعم المعرفي والمعنوي والمادي لمنسوبي المنظمة، وذلك من أجل الحصول على الأفكار والمنتجات المبتكرة.

ويتوقع من هذا البرنامج تقديم خدمات متنوعة تساعد الممارسين والموظفين في إيجاد الابتكارات الفعالة التي يمكن تطويرها والاستفادة منها، ويمكن لمنفذي هذه البرامج استخدام أدوات وسائل التواصل الاجتماعي لمشاركة المعرفة وتبادلها، وتحديد وتعزيز القيم التنظيمية المتعلقة بالابتكار، وجعل الابتكار قيمة أساسية لديهم، والسعي في إدماجه في الاستراتيجيات التنظيمية، كذلك العمل على زيادة وعي الموظفين نحو إدراك قيمة المنتجات والعمليات ونماذج الأعمال القائمة على الابتكار، كما ينبغي لمنفذي هذه البرامج السعي للكشف عن المبدعين لديهم من الموظفين، وتكثيف دعمهم معرفيا لتشجيع قدراتهم الابتكارية، ووضع المكافآت الفردية على نشاطهم الابتكاري.

أخيرا، على هذه المنظمات أن تكون مستعدة لتمويل مشاريع الابتكار، وأن تكرس نفسها لتمويل مشروعات البحث والتطوير المرتبطة بها، وذلك من أجل الوصول إلى النتائج التي تحقق أهدافها وتقودها نحو النجاح، مع بذل الجهود التنسيقية مع القطاعات المختلفة التي يمكنها المساهمة في الاستثمار والتمويل الأوسع نطاقا في البحث والتطوير من خلال الشراكة بين هذه القطاعات.

وفي الختام، علينا أن ندرك قيمة الابتكار من أجل الاستثمار في المستقبل، الذي يحدث التأثير الفعال في توظيف الموارد البشرية، والذي سينعكس بعون الله بشكل أفضل على مجتمعنا وعلى نمو اقتصادنا الوطني. وحفظ الله بلدنا من كل سوء.

alatiah1@