الرأي

متلازمة العزلة..!

سنابل موقوتة

عبدالله المزهر
في أيام الحظر الكامل كنت أتوق للخروج من المنزل وأبحث عن الأسباب، قضيت أكثر من أسبوعين كاملين لم أتخط باب المنزل، أحيانا أحاول تذكر شكل الطرقات وكيف يمكن أن أقود السيارة وأظن أني نسيت كيف أفعل.

لست ممن يحبون الخروج من المنزل كثيرا، ولكن هذا وقت طويل جدا لم يسبق أن قضيته في مكان واحد من قبل. أو على الأقل ليس في نطاق ذاكرتي، ربما فعلت ذلك سابقا لكني لا أتذكر. ولذلك فإن هذا وقت قاس جدا حتى على «البيتوتيين» أمثالي.

وأكثر فئتين كنت أتفكر في أمرهما خلال هذه العزلة الإجبارية هم المساجين ومحبو التنقل والسفر والخروج من المنزل.

وكنت أقول أثناء هواجسي إن الذي يسجن لفعل ارتكبه ثم يعود لارتكاب ذات الفعل بعد خروجه من السجن يحتاج إلى كشف على قدراته العقلية قبل إيداعه السجن مرة أخرى. الحياة قصيرة جدا، أقصر بكثير من أن تضحي بجزء منها بين أربعة حيطان مهما كان السبب.

والحقيقة أني حتى قبل هذا الزمن الكوروني أجد الشماتة من السجين أمرا شائنا ومعيبا وتنقصه المروءة مهما كان ذنبه، السجن عقاب كاف دون أن تضاف له الشماتة، الشماتة فعل إضافة إلى أنه مشين فإن فيه نوعا من ضمان تقلب الدنيا ودوران الأيام، وهذه طبيعة رعناء، لا أحد يأمن الزمان ويثق أنه لن يكون يوما في الضفة الأخرى.

الفئة الأخرى هم أولئك الذين يعتبرون البقاء في منازلهم لساعات تقييد لحريتهم، كيف يفكرون في هذه الأيام وكيف يتعايشون مع المحيطين بهم، كيف يتأقلمون مع فكرة أن أقصى مشاويرهم ورحلاتهم ستكون بين الصالة والمطبخ وغرفة النوم وهم الذين لا يجدون متعة إلا في قطع الفيافي والارتحال بمواعينهم من واد إلى واد، ومن سفح إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى.

البعض يعتقد أن الأمر سهل على هؤلاء، ولكني أعتقد أنهم سيعانون كثيرا حتى بعد انتهاء هذه الأزمة.

كنت مع أفراد أسرتي الذين أعتقد أنهم بدؤوا بالتململ من وجودي المستمر وتوجيه النصائح وكثرة التوجيهات - المبررة أحيانا وغير المبررة في أحيان أكثر - نقضي بعض الأوقات في تخيل أول شيء سنفعله حين يقال لنا: اخرجوا فأنتم الطلقاء.

وحين أعلن يوم أمس عن تخفيف قيود الحظر وأنه بإمكاني الخروج لساعات محددة لم أفعل، وقررت البقاء في المنزل مع أن أمنيتي الأكبر قبل الإعلان بساعات هي الخروج، وهذا الأمر أرعبني أكثر من الحظر نفسه، وجدت أن رغبتي في السلام على الشوارع والطرقات قد تلاشت، وهذه متلازمة جديدة ربما ستعرف علميا فيما بعد بمتلازمة حظر كورونا، حيث يصبح المصاب بها ميالا إلى العزلة وحب الحظر والخوف من الآخرين.

وعلى أي حال..

من المؤكد يقينا أن الحظر سينتهي وسيرفع سواء ذهب كورونا أم قرر تمديد إقامته - لا سمح الله - وأظن أن كثيرين قد تغير فيهم شيء إلى الأبد، وسيكون الخوف من الآخر مستمرا لوقت غير قصير. وبالطبع فإن هذا لا يعني أنه لا يوجد من لم يتغير، هناك أشخاص لن يغيرهم شيء ولن يشعروا بأي مسؤولية حتى لو كانت الفيروسات تطير أمامهم كالبعوض.

agrni@