أيام المنع وسنينه
الخميس / 30 / شعبان / 1441 هـ - 21:15 - الخميس 23 أبريل 2020 21:15
لعلنا هذه الأيام نعيش جميعا أيام المنع نتيجة تفشي الفيروس اللعين كورونا، وهو بلا شك في مصلحة الجميع ويحافظ على صحتهم، لكن على الرغم من كل هذا هو تعب وملل لمن تعود على العمل اليومي والخروج للشارع لكسب الرزق.
الشوارع خالية من الضجيج، والهدوء يعم جميع الأماكن، دوريات الشرطة كثيفة، نمط حياة استثنائي المشهد خارج البيوت لا صوت ولا صياح، وإن كانت الصورة بالداخل مختلفة تماما، حيث يسود التقارب الأسري والتواصل العائلي بعيدا عن الهواتف الذكية، كما أنها فرصة للوقوف مع الذات لترتيب الأولويات والانتباه إلى ما فات من العناية بمن نحب من أسرتنا.
لا أنكر أن بداية أيام المنع كانت سعيدة لجميع الناس، فلأول مرة ينعقد شمل الأسرة منذ فترة، فالأب دائما مشغول في العمل ولا يستطيع الجلوس مع أبنائه ليعرف منهم مشاكلهم واحتياجاتهم، ويترك هذا الأمر للأم، لكن خلال الشهر المنصرم تعرف الآباء من خلال الجلوس في البيت مع الأبناء على أهم ما يعانون منه في ضروب الحياة، ومنها مشاكل الدراسة وغيرها.
واستطاع الأبناء خاصة الصغار منهم أن ينعموا باللعب مع آبائهم والسمر معهم في أيام المنع الطويلة، أما الزوجات وبلا مبالغة قد تعرفن على أزواجهن وطبائعهم لأول مرة بعد مدة طويلة من الزواج، فمشاغل الحياة ومشاكل الأولاد وبحث الأزواج عن لقمة العيش جعلت من فرصة معرفة كل زوج وزوجة أمرا من ضروب الخيال.
الزوجة في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة هي بلا شك المسؤولة الأولى عن البيت، وهي من تتحمل كل أعباء الأبناء وتسعى لحل مشاكلهم بعيدا عن الأب، وذلك لأنها تعلم مدى مجاهدة الزوج في العمل لتوفير الإمكانات لمواجهة أعباء الحياة التي لا تنتهي، لذا فهي لا تريد تحميله أعباء فوق أعبائه، فتقوم هي بالدورين الأم بحنانها والأب بحزمه، وأخذ القرارات المصيرية للأبناء.
لكن الشيء الذي ظهر خلال أيام المنع هو إبداع بالمطبخ ليس للزوجات، ولكن للأزواج، فبعضهم يحاولون الاستفادة من تلك الساعات بمشاركة زوجاتهم في الأعمال المنزلية، وممارسة هواية الطبخ وإعداد أشهى الأطعمة بوصفات جديدة من ابتكارهم، وربما ينتهي الأمر بمشكلة معوية لأفراد الأسرة جميعا أو احتراق الأكل وجلب أكل دليفري أو تحدث المعجزة ويخرج الطعام على أحسن ما يرام.
لكن الشيء المؤلم بالفعل في أيام المنع الطويلة هو فقدان بعض الناس لبعضهم خلال فترة المنع، فأحيانا يسمع بعضنا بإصابة أحد معارفه أو أصدقائه أو جيرانه بالفيروس اللعين، وبالطبع لا يستطيع أن يزوره بسبب حجز المريض بالحجر الصحي خشية انتقال العدوى له، لأن العدوى للأسف معناها الخطر الداهم على كل أفراد الأسرة، وليس الشخص نفسه فحسب، فمن المعروف أن هذا الفيروس ينتقل بسرعة البرق بمجرد الملامسة أو العطس أو حتى التواجد ـأو حتى في مكان كان به المريض، لذا يصعب على الإنسان أن يزور صديقه أو حتى أبويه أو إخوته إذا أصيبوا بالمرض اللعين.
الأشد إيلاما هو في حال وفاة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران بهذا الفيروس، هذا يعني عدم قدرة الناس على دفن موتاهم بطريقة العادية أو اتباع جنائز أقرب المقربين لهم، حيث إن الدفن في هذه الحالة سيكون عن طريق الجهات المختصة بذلك، وبالطبع أسرة المتوفى ستكون في هذه الحالة بالحجر الصحي لمدة 14 يوما، ولن تستطيع الحضور أو حتى إقامة العزاء.
وأختم حديثي هذا بالدعاء إلى الله متضرعا داعيا: اللهم يا رب الأرض والسماء أنزل علينا الشفاء وأذهب عنا الداء وهزيمة الوباء، اللهم إن كنت طردتنا من بيوتك لا عمرة ولا جمعة ولا صلاة في المساجد فلا تطردنا من رحمتك ولا تؤاخذنا بما فعلنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم إن كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو جرم أجرمناه، فإنا تائبون إليك منه ونادمون، اللهم يا منزل الداء أظهر لنا الدواء واجعله في أيدينا سهلا ميسورا، بفضلك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين، وأحفظ بلادنا وأهلينا وأحباءنا وأصدقاءنا من كل سوء وداء يا رب العالمين.. أمين.
saadelsbeai@
الشوارع خالية من الضجيج، والهدوء يعم جميع الأماكن، دوريات الشرطة كثيفة، نمط حياة استثنائي المشهد خارج البيوت لا صوت ولا صياح، وإن كانت الصورة بالداخل مختلفة تماما، حيث يسود التقارب الأسري والتواصل العائلي بعيدا عن الهواتف الذكية، كما أنها فرصة للوقوف مع الذات لترتيب الأولويات والانتباه إلى ما فات من العناية بمن نحب من أسرتنا.
لا أنكر أن بداية أيام المنع كانت سعيدة لجميع الناس، فلأول مرة ينعقد شمل الأسرة منذ فترة، فالأب دائما مشغول في العمل ولا يستطيع الجلوس مع أبنائه ليعرف منهم مشاكلهم واحتياجاتهم، ويترك هذا الأمر للأم، لكن خلال الشهر المنصرم تعرف الآباء من خلال الجلوس في البيت مع الأبناء على أهم ما يعانون منه في ضروب الحياة، ومنها مشاكل الدراسة وغيرها.
واستطاع الأبناء خاصة الصغار منهم أن ينعموا باللعب مع آبائهم والسمر معهم في أيام المنع الطويلة، أما الزوجات وبلا مبالغة قد تعرفن على أزواجهن وطبائعهم لأول مرة بعد مدة طويلة من الزواج، فمشاغل الحياة ومشاكل الأولاد وبحث الأزواج عن لقمة العيش جعلت من فرصة معرفة كل زوج وزوجة أمرا من ضروب الخيال.
الزوجة في مجتمعاتنا الشرقية المحافظة هي بلا شك المسؤولة الأولى عن البيت، وهي من تتحمل كل أعباء الأبناء وتسعى لحل مشاكلهم بعيدا عن الأب، وذلك لأنها تعلم مدى مجاهدة الزوج في العمل لتوفير الإمكانات لمواجهة أعباء الحياة التي لا تنتهي، لذا فهي لا تريد تحميله أعباء فوق أعبائه، فتقوم هي بالدورين الأم بحنانها والأب بحزمه، وأخذ القرارات المصيرية للأبناء.
لكن الشيء الذي ظهر خلال أيام المنع هو إبداع بالمطبخ ليس للزوجات، ولكن للأزواج، فبعضهم يحاولون الاستفادة من تلك الساعات بمشاركة زوجاتهم في الأعمال المنزلية، وممارسة هواية الطبخ وإعداد أشهى الأطعمة بوصفات جديدة من ابتكارهم، وربما ينتهي الأمر بمشكلة معوية لأفراد الأسرة جميعا أو احتراق الأكل وجلب أكل دليفري أو تحدث المعجزة ويخرج الطعام على أحسن ما يرام.
لكن الشيء المؤلم بالفعل في أيام المنع الطويلة هو فقدان بعض الناس لبعضهم خلال فترة المنع، فأحيانا يسمع بعضنا بإصابة أحد معارفه أو أصدقائه أو جيرانه بالفيروس اللعين، وبالطبع لا يستطيع أن يزوره بسبب حجز المريض بالحجر الصحي خشية انتقال العدوى له، لأن العدوى للأسف معناها الخطر الداهم على كل أفراد الأسرة، وليس الشخص نفسه فحسب، فمن المعروف أن هذا الفيروس ينتقل بسرعة البرق بمجرد الملامسة أو العطس أو حتى التواجد ـأو حتى في مكان كان به المريض، لذا يصعب على الإنسان أن يزور صديقه أو حتى أبويه أو إخوته إذا أصيبوا بالمرض اللعين.
الأشد إيلاما هو في حال وفاة أحد الأقارب أو الأصدقاء أو الجيران بهذا الفيروس، هذا يعني عدم قدرة الناس على دفن موتاهم بطريقة العادية أو اتباع جنائز أقرب المقربين لهم، حيث إن الدفن في هذه الحالة سيكون عن طريق الجهات المختصة بذلك، وبالطبع أسرة المتوفى ستكون في هذه الحالة بالحجر الصحي لمدة 14 يوما، ولن تستطيع الحضور أو حتى إقامة العزاء.
وأختم حديثي هذا بالدعاء إلى الله متضرعا داعيا: اللهم يا رب الأرض والسماء أنزل علينا الشفاء وأذهب عنا الداء وهزيمة الوباء، اللهم إن كنت طردتنا من بيوتك لا عمرة ولا جمعة ولا صلاة في المساجد فلا تطردنا من رحمتك ولا تؤاخذنا بما فعلنا، وكن لنا ولا تكن علينا، اللهم إن كان هذا الوباء والبلاء بذنب ارتكبناه أو جرم أجرمناه، فإنا تائبون إليك منه ونادمون، اللهم يا منزل الداء أظهر لنا الدواء واجعله في أيدينا سهلا ميسورا، بفضلك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين، وأحفظ بلادنا وأهلينا وأحباءنا وأصدقاءنا من كل سوء وداء يا رب العالمين.. أمين.
saadelsbeai@