الرأي

تعزيز ثقافة الابتكار بالرؤية المستنيرة واتصالها الوثيق بالسياق والحاجة

محمد أمين
هل يمكن أن يأتي الابتكار في الشركات استجابة لقوى خارجية، أم ينبغي لثقافة الابتكار أن تكون نابعة من قادة الشركات أنفسهم؟

حقيقة، الابتكار والتغيير هما العاملان اللذان يسيطران على كل جانب من جوانب ممارسة الأعمال التجارية اليوم. وقد شاعت في هذه الحقبة الرقمية غير المسبوقة عبارة لا تنفك تتبادر إلى الذهن «نبتكر أو نندثر»، وهي عبارة تنطوي على أهمية بالغة عندما ننظر في العلاقة القائمة بين الابتكار والحاجة إليه.

في ضوء الأهمية الكبيرة التي تمنح للتقنية الحديثة بوصفها منصة للابتكار تأتي في سياق تنظيمي، نجد أن البعض ينجر إلى تركيز استثماره على أحدث التقنيات وأروعها، من دون أن يمتلك رؤية واضحة بشأن ما ستضيفه هذه التقنيات من منافع إلى أعماله.

لقد وجد تقرير مؤشر «دل تكنولوجيز» للتحول الرقمي في أحدث إصداراته أن 93 % من قادة الأعمال في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية يخططون للاستثمار في تقنيات قوية في غضون ثلاث سنوات، ولكن 44 % منهم فقط يدمجون حاليا أهداف الرقمنة في جميع أهداف الإدارات والموظفين.

إن من السهل علينا في هذه الأيام التي ترسم ملامحها التقنيات المتطورة، اعتبار الابتكار شأنا مرتبطا بالتقنية فقط. ولكن ثمة خطأ شائعا مفاده بأن الابتكار لا يصبح مطلوبا إلا عندما تكون هناك توجهات تحولية مهمة تؤثر في نجاح الشركة وقدرتها على الحفاظ على مكتسباتها. ويعتبر كذلك التطوير في العمليات والتحسين على أية طريقة عمل ذات فعالية مقبولة؛ من الأمثلة التي تجسد الابتكار. وينبع هذا الأسلوب من الافتقار إلى ثلاثة عوامل رئيسة، هي: الرؤية والسياق والمقصد.

يجب أن يرتبط الابتكار برؤية الشركة، فنحن نعيش في عصر من التغيرات الواسعة في مختلف القطاعات والمنتجات وحتى في أساليب الحياة، لذلك فإن الطريقة التي تختار بها شركة ما الاستجابة للتغيرات تشي بالكثير عن مدى التزامها بتحقيق رؤيتها. ويمكن للابتكار في طريقة استجابة الشركة للتغيرات أن يمثل أداة تجس النبض إزاء مدى هذا الالتزام، وهي مسؤولية يتحملها قادة الشركة، بالنظر إلى وصايتهم على أهدافها.

إن هذا الأمر يساعد أيضا في تحديد سياق الابتكار، فإذا كان يقع في إطار «رد الفعل»، هل هو حرج؟ وإذا كان «استباقيا»، فهل يتم من أجل الابتكار فحسب، أم إنه سيُحدث تأثيرا إيجابيا في تجربة العميل أو الموظف؟ وبينما هناك دعوات لوضع حلول أو ممارسات مبتكرة حتى على مستوى الأقسام داخل الشركات، يقع على عاتق القيادة مسؤولية رؤية صورة الوضع الشامل والتركيز على الابتكارات التي تحقق المنفعة لأصحاب المصلحة.

أما وقد اتفقنا على أن هذا الابتكار يتسم بالأهمية، وأن الجسر الأخير الذي يجب عبوره هو التأكد من أنه ذو منفعة مرجوة أيضا، فإن على القيادة أخذ هذا في الاعتبار عند النظر في خططها طويلة الأجل، لضمان أن يكون الابتكار مناسبا للأغراض المنشودة التي تلبي المتطلبات الراهنة والمستقبلية على السواء. وإذا برز في هذه المرحلة تعارض مع رؤية الشركة أو سياق استراتيجيتها، سيصبح هذا السبب مدعاة للتوقف المؤقت.

ومن الملاحظ أن الخيط المشترك الذي يمتد عبر جميع المراحل هو أن الابتكار يمثل بوضوح أولوية قيادية. وتقدر شركة «كيه بي إم جي» أن قرارات القيادة وتوجيهاتها وسلوكها تمثل 70 % من التأثير الواقع على الثقافة، في حين أن عناصر مثل برامج التدريب والمشاركة تمثل النسبة الباقية. إن تبني القيادة للابتكار كفيل بالتشجيع على بناء ثقافة الابتكار من خلال رؤية أطول أجلا، كما يُعِد الشركة لتكون صانعة للتغيير لا خاضعة له.

إن الابتكار بحاجة إلى التروي ولا يمكن أن ينجح إذا تم استعجاله نتيجة للحاجة إلى الاستجابة للتغيرات في مشهد القطاعات أو مواكبة تحركات المنافسين، مع أن الشركة ذات النظرة المستقبلية حلم لجميع المعنيين من أصحاب المصلحة، سواء كانوا عملاء أو مستثمرين أو موظفين. فالابتكار هو عكس الرضا عن الذات، والابتكار الاستراتيجي هو الكفيل بإحداث التغيير المنشود.