«أياما معدودات»

الأربعاء - 09 مايو 2018

Wed - 09 May 2018

أيام معدودات وسنشهد السباق السنوي المعتاد في انتكاس السلوكيات، أيام معدودات وسيبدأ التنافس الماراثوني للمتاجر والبقالات وامتلاء العربات والركض وراء التخفيضات، أيام معدودات وتنطلق المساومات للاستحواذ على العاملات المنزليات، أيام معدودات ويبدأ تتبع الأسواق والجديد من الماركات، أيام معدودات وسيغلق الزحام الشوارع ومعظم الإشارات، أيام معدودات ونجد الزحام على محلات الخياطين والخياطات، أيام معدودات وتنتشر الرسائل والمكالمات لدعوة المقربين والمقربات، وينطلق أعظم استعراض للموائد باختلاف تنوع المشروبات والمأكولات، أيام معدودات وتتهافت المشاهدات على القنوات والفضائيات لمتابعة البرامج والمسابقات والمسلسلات.

قال تعالى في محكم تنزيله «أياما معدودات» في الآية 184 من سورة البقرة. نعم «أياما معدودات»، وتراودني تساؤلات عدة أطرحها وأناقشها معك يا صديقي رمضان:

هل هذا ما يريده الله عز وجل من عباده في شهرك!؟

هل هذا كل ما نعده لاستقبالك من كل عام يا شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران!؟

هل نحن تركنا فضل شهرك من كل عام، أم تركت لنا فضلات عام في شهرك!؟

هل ما يزال البعض قاطعا لرحمه وجيرانه ومعارفه وأصحابه وأنت قادم بغفرانك ورحمتك!؟

هل نعاهد أنفسنا على تغيير سلوكياتنا وعلاقاتنا للأفضل من كل عام نودعك فيه!؟

من رحمة المولى عز وجل بنا أن فرض علينا صيام رمضان وجعله تزكية لنا وتطهيرا لنفوسنا من خبثها وأدرانها وشهواتها، فالنفس البشرية تتأرجح وتتمايل بين الخير والشر، وهي في الأصل نقية موحدة تركن للخير حسبما خلقها الله عز وجل وصبغته الأولى التي فطرنا عليها وسوى نفوسنا وهداها لتقواه، فتبارك الله أحسن الخالقين.

ومن حكمته جل وعلا التي سرت وجرت على خلقه أن يمتحن هذه النفوس التي جبلها على الخير وكرمها عن سائر المخلوقات بالعقل والتمييز لخوض مسالك الحياة والتفكر والتدبر فيها، لتقودنا إلى الحقيقة الرئيسة التي يبتغيها بارئنا، وهي عبادته، ولتزكية هذه النفس فرض علينا خمسة أركان لنكون مسلمين موحدين متبعين دينا قيما ورسولا مبشرا وخالقا أوحدا، وأولها القاعدة الأساسية المتينة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وهي تصريح لبناء أربعة أركان متبقية لمبنى الشخصية المسلمة، قد تتخلخل أحيانا ولكن تعود إلى سالفها بصيانتها وترميمها على الدوام؛ فالصلاة راحة للنفس ناهية عن الانحرافات السلوكية كالمنكرات والبغي، والزكاة بركة للمال شارحة للحال، وصوم رمضان هداية لاعوجاج النفس عن صواب طريقها، ومنق طبيعي لمفسدة الجسم «الفسيولوجية» من مشاكل الجهاز الهضمي بكثرة تناول الأطعمة والمشروبات، ومنشط رباني لمدة شهر كامل لاستقبال عام جديد يأتي بعد رمضان. ويعتبر منظفا لمفسدة الجسم «النفسية» ومثبطا لعللها التراكمية من الشهوات بنوعيها «الفعلية» كشهوة الجنس والمال والسلطة و»اللفظية» كالشتم والسب والغيبة والنميمة.

ويأتي خامس ركن وهو الحج الذي بأدائه الصحيح يمحو الله كل ذنب بجزاء ووعد رباني مآله الجنة.

والركن الرابع وهو صوم رمضان له مطلبان عظيمان جليلان، الأول: تغيير السلوكيات مع الذات ومع غيرها، وهو تصحيح كنتيجة وأثر إيجابي يتجدد للعل النفسية والجسدية كما أسلفت، وهذا ما يريده المولى عز وجل حيث قال تعالى «وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون» سورة البقرة 184، وهو وعد رباني بما سينعكس على نفوسنا من طمأنينة وراحة بال، وعلى سلوكياتنا من حسن التعامل وصلاح الحال، بشرط أن نعزم ونستشرف سلفا ونستعين صدقا بالدعاء والتوكل على الله لتقويم وتقييم ذواتنا بعدة مراحل، والتفرغ لذلك وجعله هدفا أسمى، فالمرحلة للعشر الأولى هي المهيئة لاستقبال الخير وفيها رحمة لنا وسكينة، والمرحلة للعشر الوسطى هي المكملة بالاندماج الفعلي للصيام والمثوبة والمغفرة، والمرحلة الأخيرة هي المتممة للعشر الأواخر لرمضان، وهي العتق من النيران وبلوغ الجنان.

والمطلب الثاني هو ما يريده الله عز وجل من البشر كسلوكيات نتعامل بها مع قدسية رمضان لإتمامه ونيل القبول فيه والفوز به، قال تعالى «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون» سورة البقرة الآية 185، أولا التيسير من المولى عز وجل لصوم الشهر بدون أي تكليف لمن لا يستطيع الصوم، ثانيا إكمال عدد أيام الصوم لشهر رمضان إكراما له، ثالثا ذكر الله الدائم وتكبيره على هدايته وفرضه للصيام، رابعا الشكر على نعمه وآلائه الدائمة علينا، خامسا هو الشهر الذي تنزل فيه القرآن واختصه الله بذلك تكريما وإجلالا له، والفضل الجزيل لقراءة ومدارسة القرآن في أيامه ولياليه.

فهي أيام معدودات يسرها لنا الخالق عز وجل لإتمامها رحمة بحالنا وغفرانا لذنوبنا وعتقا من النيران. شكرا لكرمك يا صديقي رمضان.

@Yos123Omar