علي الحجي

التلاعب المنطقي

السبت - 05 مايو 2018

Sat - 05 May 2018

كثيرا ما نشاهد في عصر الانفتاح الحديث المعارك الكلامية والفكرية على طاولات الفضائيات، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

هذه النقاشات أشبه ما تكون بمطاحنات فكرية يبحث فيها كل جندي عن مساحة أكبر لفكره ومنطقه على حساب فكرة أخرى، فيستعين بالمغالطات المنطقية للإيقاع بالآخر واكتساب مساحته، والترويج لفكره لدى المتلقي، وبالتالي اكتساب مناصرين وأتباع جدد.

الإقناع يعتمد على حبك مجموعة معطيات بترتيب معين ليخرج بالفكرة، فمحمد مقيم في الرياض، الرياض مدينة في السعودية إذن محمد في السعودية.

أما المغالط فيرتب ويعالج المعطيات الصحيحة بشكل معين ليستنتج منها نتيجة خاطئة، وبالتالي يمررها على المتلقي، فالأطباء يعملون في المستشفى وخالد يعمل في المستشفى فخالد طبيب.

المغالطة خطأ في النتيجة، إما بسبب خطأ في الاستنتاج وهو الغالب، أو خطأ في الدليل، أو خطأ في طريقة الربط بين الأدلة.

ومن أهم وأشهر هذه المغالطات مغالطة رجل القش، وفيها يقوم المحاور بتضعيف الحجة وتسخيفها ليقنع الآخرين أنها سخيفة ويجب التخلص منها، كأن يطالب أحدهم بزيادة رواتب المتقاعدين لتوفير حياة كريمة لهم، فيرد بأن معظمهم مصاب بالزهايمر ولا يعرف كيف ينفقها، أو أن يشتكي مشجع فريق بأن التحكيم سبب خسارة المباراة، فيرد وهل فريقك سيحقق كأس العالم؟!

مغالطة الرنجة الحمراء (الإلهاء) واسمها مأخوذ من سمكة رائحتها نفاذة يستعملها المجرمون لتضليل الكلاب البوليسية، بمعنى أن يتم لفت الانتباه لمسألة أخرى غير المسألة محل النقاش، كأن تقول بأهمية قيادة المرأة للسيارة، فيرد بحجج كطيش الشباب وانتشار التفحيط والتهور.

مغالطة السلطة، وفيها يستشهد بمقولة لشخصية كبيرة، فيقول مثلا الشاعر المشهور فلان ذكر أن هذا دواء للسكر، في حين أن هذا الشاعر ليس له علاقة بالطب.

مغالطة الشخصنة، وفيها ينتقص من شخصية وسلوك صاحب الفكرة، أو ينتقد عدم تطبيقها على نفسه، ولا ينتقد الفكرة نفسها، وهي منتشرة كثيرا، كأن يتحدث أحدهم عن أهمية ممارسة الرياضة، فيقال: انظر إليه وزنه زائد ويتكلم في الرياضة.

مغالطة التفكير التشبيهي، وفيها يقوم بعرض مثال مشابه لفكرته بشكل سطحي، كأن يقول «الموظف زي المسمار لازم تدق على راسه عشان يسلك».

وليس بالضرورة أن المغالطات تستخدم لتمرير فكرة خاطئة، فقد تستخدم لإثبات فكرة صحيحة، إما لأن قائلها ليس لديه المهارة الكافية لإيصالها، أو لأن المتلقي لن يستوعب التسلسل المنطقي السليم.

وهناك الكثير من نماذج المغالطات المنطقية المعروفة التي يجب التعرف عليها أو على الأقل الاطلاع عليها لتكون أداة فلترة قوية تعرف من خلالها الخطأ من الصواب، سواء عند قراءة كتاب أو في قاعات الدراسة أو نشرات الأخبار أو عند الاستماع لحلقات الوعظ، أو دعاة الاتجاهات الحديثة، أو حتى في تحليل مباريات كرة القدم.

كما يجب أن تتضمن مناهج التعليم لدينا مبادئ المنطق وفنيات الحوار حتى يتمكن أبناؤنا من إيصال أفكارهم بسلاسة، والتعرف على أفكار الآخر وفلترتها للاستفادة من المفيد منها، والنجاة من شراك الأفكار الهدامة.