عبدالله المزهر

وسخ الدنيا الجميل!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الاثنين - 05 فبراير 2018

Mon - 05 Feb 2018

التسول من أعرق المهن التي عرفها الكائن البشري منذ تكاثره على سطح كوكبنا البائس الجميل. وهو من المهن الصعبة وليس في مقدور أي أحد أن يكون متسولا ناجحا ومبدعا. وإن كنا نتفق ـ حسبما أعتقد أننا نفعل ـ على أن لكل مهنة مهارات وقدرات يجب أن تتوافر في ممتهنها، فإننا يجب أن نتفق أيضا على صعوبة المهارات التي يجب أن تتوافر لدى المتسول المبدع. وأن التسول في الغالب فطرة وموهبة أكثر من كونه مجرد مواهب يمكن اكتسابها بالتعلم والدراسة والخبرة، وإن كانت كلها أشياء مهمة لصقل الموهبة وتوجيهها التوجيه الصحيح.

ومن نافلة القول أيها الأخوة والأخوات، الفاضلين والفاضلات أن التسول كفن عريق ليس مدرسة واحدة، بل إنه يكاد يكون من أكثر الفنون تنوعا وثراء في المدارس والطرق والأساليب. ولكل مدرسة جمالها الخاص مما يجعل عالم التسول فسيفساء رائعة المظهر جامعة لكل أنواع الفتنة والجمال.

هناك مدرسة التسول بالدين، وهي مدرسة عريقة لها روادها ومؤيدوها ومع أنها مدرسة كلاسيكية إلا أنها ناجحة فاعلة في كل زمان ومكان، وهناك مدرسة التسول بالوطنية، وهي من المدارس الحديثة التي أحدثت تغييرا هائلا ونقلة نوعية في هذا الفن النبيل. وأصبحت الوطنية مصدر دخل عظيما أغرى كثيرين للالتحاق بركب كوكبة المبدعين في هذا المجال الخصب الثري.

أما أشهر المدارس وأعرقها فهي مدرسة التسول بالأدب بشكل عام وبالشعر على الأخص، وهذه مدرسة صعبة وليست متاحة لأي أحد لأنها تحتاج موهبة حقيقية وذهنا متقدا وقدرة حقيقية على الكذب.

وهناك بالطبع المدرسة المباشرة، وهي الأقل دخلا وإبداعا وتجد رواد هذه المدرسة عند إشارات المرور وأبواب المساجد. وينظر إلى الأعضاء العاملين بهذه الطريقة نظرة دونية من قبل رواد مدارس التسول الأخرى مع أنهم جميعا تحت مظلة مهنة واحدة.

والذين يسخرون من منظر امرأة أو رجل وهو واقف يلقي القصائد وينثر المعاريض أمام ثري جالس غير مبال به ولا بوجوده لا شك أنهم لا يفهمون ولا يقدرون أن هذا عمل شاق مضن. والذين ينتقدون ثريا لأنه يتفنن في تصوير الناس وهم يتوافدون زرافات ووحدانا ويقفون أمامه يستعرضون مهاراتهم في فن التسول لا يفهمون ولا يعلمون أن هذا عمل مجتمعي المراد منه دعم المواهب الشابة وإثراء سوق العمل بهذه الطاقات الشابة. وأن الأمر ليس إذلالا للبشر ولا امتهانا للإنسانية. هو أيضا يتسول تعاطف الناس ومحبتهم، وهو باب عظيم من أبواب التسول. ولذلك فلا فرق بين الواقف والجالس، فكل يتسول ما ينقصه بطريقته الخاصة.

وعلى أي حال..

إنسان هذا العصر يعيش في أقسى وأشرس أوقات الرأسمالية، وأصبح «المال» هو القيمة العظمى الطاغية على كل القيم، ولذلك فإن البحث عنه بأي طريقة يبدو منطقيا لأنه الوسيلة الوحيدة المتاحة للحياة. وأصبحت جميع طرق البحث عن المال من «الضرورات» التي يباح معها كل شيء!

ملاحظة: رقم حسابي البنكي لدى الصحيفة.

@agrni