العبرة في تاريخ الصحوة!

الثلاثاء - 14 نوفمبر 2017

Tue - 14 Nov 2017

يعترض البعض على الخوض في تاريخ الصحوة، وذلك لأسباب منها أنه مر عليها زمن وولى ولا يجب الالتفات للوراء، ولكني أقول لكل من يعترض: نحن لم نخض في صراعات بين الصحابة في ما بينهم ولم نفضل بعضهم على بعض لكننا التزمنا بقول المولى عز وجل: (تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون)، أما تاريخ الصحوة هو تاريخنا الحديث الذي عايشناه وما زلنا نتجرع ويلاته ويجب علينا أن نذكر هذا التاريخ وما مر علينا بتلك الحقبة حتى نعرف الأخطاء ونصلحها ونتعلم منها.

وقد كان لهؤلاء الصحوة مصائب عظام للأسف كان ينظر لها بالسابق على أنها فضائل وصدع بكلمة الحق! ومنها على سبيل المثال: تحريم الأجهزة الحديثة ومحاربة الخبراء الأجانب وتعليم المرأة وعملها وتحريم دراسة علم النفس وبعض العلوم الإنسانية وكثير كثير لا يسع المقال لذكرها فلا تزال تركة تلك الفتاوى في الانترنت موجودة.

والمصيبة ليست على إطلاقهم تلك الفتاوى بل القداسة على قولهم وفعلهم، لأن المجتمع في تلك الحقبة كان يحمل هالة من القداسة لهؤلاء كان سببها إرثا دينيا واجتماعيا، وأيضا بأن هؤلاء الصحويين يتكلمون - كما يدعون - باسم الله سبحانه، وباسم رسوله الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، وهذا ما يجعلك تقبل بالأمر دون مجرد التفكير والتردد فيه، لكن الحقيقة ليست أكثر من كونها آراءهم الشخصية المتشددة، وقد فسروا بعض النصوص حسب أهوائهم لتتلاءم مع تلك الآراء، أو أنهم أخذوا بعض آراء السلف من العصور الغابرة التي لا نتفق معها لا من حيث طبيعة العصر ولا من حيث أحداثها.

وليت كل هذا كان مجرد آراء دينية فقط، بل تعدى ذلك للتحريض بتغيير المنكر باليد وشق الصف وضرب أهم مكتسبات المجتمع وهو الوطن الموحد، وحجتهم هي مجرد أسباب واهية لا تحمل أي أهمية مثل: تواجد الأمريكان في البلاد أو التغريب والعلمنة كما أطلقوا عليها، أو باسم نصرة المسلمين بصراعات داخلية أو طائفية في بلدان بعيدة، لكنهم لم يروا هذه الأمور بالبسيطة التي لا يمكن أبدا أن تهدد النسيج الوطني الواحد، بل يرونها أمورا مصيرية قبلوا دونها بسفك الدماء وتحريض الأحداث والجهلة على القتل والسفك باسم الدين، وتعالى سبحانه عن ما يدعون.

وبدل أن تكون لهم وقفة صارمة على الفساد والمفسدين أمام الله وأمام الناس صار لهم صياح ونياح لنصرة حكمتيار ببلاد السند، وبدل أن يكون لهم علم وعمل في وطنهم صار لهم عويل وتحريض على ما يقوم به رادوفان كارديتش من جرائم في بلاد البلقان، وهنا تحديدا اتضحت رؤيتهم وأهدافهم وهي أكبر من نسيج وطني واحد في الجزيرة العربية، بل الهدف يحمل أحلام الخلافة الإسلامية المزعومة.

وحتى هذه المبادئ غير الشريفة التي يعتقدونها حين انقلبت الطاولة عليهم أعلنوا براءتهم منها وجحدهم لعمليات التحريض الممنهج للأحداث والمراهقين لنيل الشهادة في بلاد ما وراء الحدود، وكأننا نسينا أشرطة الكاسيت التي ضجت بالصراخ والبكاء والتحريض، ونسينا أشرطة الفيديو التي ازدحمت بكرامات المجاهدين ووحشية المجرمين.

الحديث عن هؤلاء يطول، فهو عمر شعب وتاريخ أمة، ولكن بالنهاية أقول: إذا انشغل الشعب في مصائب ونكبات الشعوب الأخرى بحجة الدين الواحد فلا تحلم بعمل ورقابة وإنتاج بل أبشر بطول سلامة يا فساد.