عبدالله المزهر

حزين كمحطة لا تمرها القطارات!

سنابل موقوتة
سنابل موقوتة

الخميس - 19 أكتوبر 2017

Thu - 19 Oct 2017

عرفت القطار للمرة الأولى وأنا في المرحلة الثانوية، وكانت بداية تعارف سيئة، فقد قررت السفر من الرياض لزيارة أبناء عمي في الدمام، وركبت القطار ونزلت حين توقف في الأحساء لأنهم علموني في المدرسة أن القطار ـ الذي لا أعرف ما هو ـ يربط بين الرياض والدمام، لم يحدثني أحد عن مدن أخرى على الطريق. وقضيت الليل كله أبحث عن قريبي الذي يفترض أنه ينتظرني في المحطة ولم أجده لأنه كان ينتظر في محطة تبعد عني مئة وخمسين كيلو مترا فقط.

وربما لأن بداية علاقتي بالقطار كانت متوترة بعض الشيء فقد قضيت عمري كله فيما يشبه محطة القطار، أنتظر لحظة لا تأتي ويأتي الناس ويركبون قطاراتهم ويعودون وأنا جزء من المحطة ولا علاقة لي بالقطار.

بدأت الصحوة الإسلامية، ودبت مظاهر التدين المعروفة في كثير من رفاق الصبا، ولكني بقيت كالأبله أنظر إليهم ولا أركب معهم ذلك القطار، بعضهم عاد من رحلته والبعض ما زال مسافرا، وآخرون لن يعودوا حتى تفنى القطارات بمن عليها. كثيرون استفادوا ماديا من هذه المرحلة التي كان المظهر فيها بمثابة اعتماد بنكي وشهادة حسن سيرة وسلوك. لم أنحرف أيضا مع بعض الرفاق الذين ركبوا القطارات الذاهبة في الاتجاه المعاكس، فلم أعش حياة «الدشير» التي كانت لا تخلو من ملذات ظاهرة ونهايات مؤلمة في بعض الأحيان. وحتى هؤلاء عاد بعضهم والبعض تقطعت به السبل. وأنا في مكاني كأني حجر في أساس المحطة.

أشاهد أناسا يركبون قطار الإخوان، وآخرين يحجزون مقاعد وثيرة في قطار الجهاديين، وآخرين يستلقون على مقاعد قطار الليبرالية. لكن أمتع ما شاهدته في المحطة أولئك الذين ركبوا قطار التكفير ثم عادوا وركبوا قطارات التفجير، ثم عادوا ليتعلقوا بقطار الثورات والحريات والحقوق، ثم يقفزون إلى قطار الليبرالية، لم يتركوا قطارا يمر من المحطة دون أن يحجزوا مقعدا عليه. وكانوا يستعينون على وعثاء السفر في كل رحلة بتزجية الوقت في شتم ركاب القطارات الأخرى، مع أنهم إما غادروها للتو أو سيركبونها لاحقا.

وعلى أي حال..

لم أخسر الكثير، خسرت فقط فرصة جني كثير من الأموال، لم أكتشف إلا متأخرا أن التنقل بين القطارات أكثر ربحية من البقاء في المحطة، اكتشفت ذلك بعدما غادرت كل القطارات، ولم يعد بالإمكان التشبث بقطار عابر، وأصبح البقاء في ذات المكان حتميا لا خيار سواه. المبهج أني لست حزينا كما ينبغي لي أن أفعل، فقد أحببت المحطة أكثر من القطار.

agrni@