أسعد سراج أبورزيزة

زيف الكنوز المودعة في القمامة

الجمعة - 13 أكتوبر 2017

Fri - 13 Oct 2017

يطرح المشتغلون بإدارة النفايات البلدية الصلبة في هذه الأيام مقترحات وبرامج التدوير واسترجاع المواد من النفايات (القمامة)، ليس حلا لمشكلة النفايات، ولكن كفرص استثمارية يندر أن تتكرر. ويروج لهذا مسوقون تطلقهم لخداع الناس بعض الشركات التي تجني أرباحا فلكية من تصنيع وتسويق معدات الاسترجاع والتدوير. كم جاءنا من قدم تقنيات استرجاع المواد أو الطاقة من النفايات البلدية كسبيل ينقذ البيئة من أهوال الردم، ويدر أرباحا مغرية من قيمة المسترجع من النفايات؟

الأمر ليس كذلك؛ ففي دراسة حديثة لوضع استراتيجيات إدارة النفايات البلدية الصلبة في مكة المكرمة، تمت مقارنة الخيارات المتاحة من تقنيات استرجاع المادة والطاقة من النفايات لاختيار المناسب لبيئة وظروف المنطقة، ولم نجد ما يدعم نظرية الكنوز المودعة في النفايات! فلا استرجاع المواد، ولا تحويل النفايات العضوية إلى طاقة يمكن أن يكونا صناعة ناجحة أو تجارة مربحة، بالمعنى الحقيقي وفي الظروف المحلية القائمة. ووجدنا دعوى من يقول بنظرية الكنز زائفة. كثير ممن خاض التجربة لم يجد إلا سرابا، وهذه شركة صداقة تنبئك الخبر.

وقصص النجاح، التي تفاجئنا أحيانا في هذا المضمار، لها مقومات وشروط ليست دائما إنسانية. تعمل سيدة من الفجر إلى غروب الشمس، تنبش الحاويات وتجمع المواد وتدفع عربة تالفة طوال اليوم، ثم تفرغ حمولتها في أحواش مخصصة لتستلم أجر يومها.. ريالات قليلة. قصص النجاح التي نشهد، إنما أساسها الأجر المتدني لهذه العمالة، مدعومة بأبواب الاستيراد المشرعة في الصين والهند وبنجلاديش. هذه حقيقة النجاحات، وستعريها التشريعات القادمة.

ففي الثامن عشر من يوليو الماضي، أشعرت دولة الصين منظمة التجارة العالمية بعزمها منع استيراد 24 نوعا من المواد المسترجعة من النفايات البلدية الصلبة بنهاية العام الحالي، وشملت القائمة بعض أنواع البلاستيك والمواد التي لا يتم فرزها جيدا أو الملوثة بمواد أخرى. وفي مقال، بعنوان «الحرب الصينية على القمامة»، تتوقع الكاتبة أن توقف الصين استيراد كل المسترجعات من النفايات في غضون سنوات.

ماذا لو أغلقت الهند، كذلك، الأبواب! هل ستجد مؤسساتنا من يأخذ ما تسترجع؟

في زيارة لمحطة استرجاع المواد في دولة الشارقة، ذكر مديرها أن بحوزته الأطنان من أكياس البلاستيك السوداء التي لا يجد الآن من يأخذها مجانا – تغيرت الظروف ولم يعد لها سوق. يقودنا هذا إلى الإقرار بضرورة وجود السوق المحلية التي تستوعب ما نسترجعه من المواد قبل أن نخوض التجربة، وقبل أن تنكس المعادلة وتهدر الأموال.

وكان لتراجع أسعار النفط أثر واضح على سعر المواد المسترجعة؛ وتأرجح الأسعار يجعل من الولوج في صناعات الاسترجاع والتدوير مخاطرة. وإن بقي النفط بأسعاره المتدنية فسيذهب بريق المسترجع من النفايات بمنافسة المواد الخام، لأن التوفير في التدوير إنما يأتي معظمه من الفارق في كمية الطاقة التي يستهلكها إنتاج السلعة من المسترجعات، وإن هبطت أسعار النفط أكثر، فستغتال المواد البكر صناعة التدوير، كما فعلت في 2008، وأخرجت الكثير من السوق.

وفي مقال على الجارديان في 27 /6 /2015، بعنوان «لماذا تشعر صناعات التدوير في الولايات المتحدة بالسقوط في المستنقع»، ذكر كاتب المقال، «أن مقاطعتي كولومبيا وبالتامور، وكل ما بينهما من بلديات تدفع الملايين من الدولارات سنويا، لدعم أكبر شركة تدوير في المنطقة، وأن معظم الشركات الأمريكية، مثيلاتها، تقترب يوميا من الخط الأحمر».

وفي المملكة المتحدة قررت مجموعة «كير»، التي تخدم أكثر من 150 بلدية، مغادرة أعمال التدوير بعد أن عرفت أن خسائرها ستبلغ 33 مليون جنيه إسترليني في الربع الأول من عام 2016. إن الأمثلة من هذا النوع كثيرة، رغم أن هناك من حقق أرباحا من عمليات الاسترجاع، خاصة، خلال ذروة أسعار النفط.

من يدقق في المشاريع التي تبنتها بعض الأمانات، تنكشف له صورة غير التي يرسمها القائمون على هذه البرامج. ويمكن تلخيصها في قصة شهدتها في مؤتمر البيئة بإمارة أبوظبي؛ وقف أحد المسؤولين من شركة بيئة، يتحدث عن إنجازات الشركة، وفيما ذكره، أن الدخل من قيمة المسترجعات جاوز سبعة ملايين درهم، شيء جميل صفق له الحضور، لكن عندما سئل عن تكلفة الفرز والاسترجاع، لم يجد جوابا!

لا نعيب برامج التدوير أو الاسترجاع، لكن عرضها كصناعة تدر أرباحا بلا حدود، وفي كل الظروف فيه خداع وتضليل.

ولا يجوز الاستشهاد بما في الغرب، فلشيوع أعمال الفرز والتدوير في دول الاتحاد الأوروبي، مثلا، دوافع ومبررات تخصهم، فأنظمة الاتحاد، تفرض الوصول بنسبة المسترجع إلى النصف في الدول الأعضاء بحلول عام 2020. كما أن أعمال التدوير توفر الكثير من الوظائف وتساهم في تخفيف قضايا البطالة، ومشروع بيئي ترحب به الجماهير الناخبة. لهذا تتلقى مشاريع استرجاع المواد من النفايات، هناك دعما سخيا من الحكومات؛ قد تكون معاملة خاصة في حساب الضرائب، أو ضمان البلديات سعرا متفقا عليه للمسترجعات، فتدفع الدولة الفروقات إن هبطت الأسعار، بالإضافة إلى ما تدفعه تعويضا عن تكلفة الردم للمواد المسترجعة.

والمشاريع المقترحة، لاسترجاع الطاقة من النفايات أو مصادر الطاقة البديلة، كما يصفها البعض وتبشر بها الشركات، فليست سوى نسخ كربونية لمشاريع قامت في الغرب بشروطه، ولا يمكن اعتبارها صناعة مستقرة تصلح لكل مكان وزمان. وما يعرضه علينا، ويزينه المروجون، يأتينا مسلوبا منه أنظمة وأدوات حماية البيئة التي تلتهم معظم ميزانيات الإنشاء من مشاريع استرجاع الطاقة. هم لا يشيرون إلى وهن الجانب البيئي في عروضهم، ويوهمون المتلقي بمطابقتها للمواصفات الأوروبية. لا جدوى اقتصادية لهذه المشاريع إلا في ظل ارتفاع أسعار الطاقة لمستويات لا تحققها ظروفنا في الوقت الراهن، أو أنها تنشأ في ظروف لا تأبه للبيئة، أو تدعمها الدولة.

نحن بيئيون نعرف ما يجري في مرادم النفايات، وندعم برامج التدوير التي نؤمن أن معظمها يعود على البيئة بالنفع. ونحن، كذلك، متخصصون نعرف الخلط، ونرفضه؛ «هناك شروط ومقدمات يجب أن تتحقق قبل الشروع في تجارب كثرت عليها علامات الاستفهام».