محمد العوفي

عندما تغضب الرياض!

الثلاثاء - 06 يونيو 2017

Tue - 06 Jun 2017

لم يكن غضب الرياض هذه المرة كسابقه يترك الأبواب مفتوحة والاحتمالات مطروحة للنقاش وتقريب وجهات النظر، هذه المرة كان الغضب قاسيا وموجعا كونه يتضمن عزلا دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا، بعد أن نفد صبر الرياض على الممارسات العدائية والتخريبية التي تقوم بها حكومة قطر، وبعد أن استنفدت قطر منذ 1995 الفرصة تلو الأخرى للتخلي عن نهجها وأسلوبها في دعم الإرهاب والتطرف والتحريض والتعاون مع الأعداء ضد أمن الرياض ومصالحها.



الرياض التي تتميز بالحكمة الدبلوماسية لا تغضب مثل هذا الغضب إلا عندما يبلغ السيل الزبى، فلدى الرياض ملفات ثقيلة حول ممارسات الحكومة القطرية التي صبرت الرياض عليها طويلا، وحاولت مرارا وتكرارا إعادة قطر إلى الصف الخليجي والعربي لكنها في كل مرة تأبى إلا أن تغرد خارج السرب وتصطف مع العدو ضد مصالح وأمن السعودية ودخول الخليج.



الممارسات العدائية القطرية ونقضها العقود والمواثيق التي اتخذتها على نفسها، وآخرها اتفاق الرياض الموقع في عام 2014 الذي بموجبه أعيد السفراء الخليجيون إلى قطر، أكدت أن الحكومة القطرية لديها عقدة كبيرة تجاه الوفاء بالتزاماتها، وأنها تملك تاريخا من التناقض يجعل من الصعب الوثوق في تعهداتها المستقبلية، فهي توقع على تعهدات معينة، وتمارس سلوكيات تتناقض مع هذه التعهدات، بل تصر على خرقها من خلال مواصلة الوقوف مع الجماعات الإرهابية ودعم أنشطتها، ومحاولة شق الصف الداخلي السعودي وتأجيج الفتنة داخليا باستخدام أذرعها الإعلامية، ودعمها لمخططات إيران في المنطقة، الدوحة دعمت ميليشيات الحوثي الانقلابية حتى بعد إعلان تحالف دعم الشرعية، وجميعها أعمال عدائية تهدد الأمن الداخلي السعودي.



العزلة والحصار السياسي والاقتصادي والاجتماعي التي قررت الرياض وبعض دول الخليج تطبيقها على الحكومة القطرية بمثابة الكي الذي يعد آخر الدواء بعد فشل كل محاولات إصلاحها دبلوماسيا وإعادتها للصف الخليجي كدولة سوية، وستكون موجعة ودرسا قاسيا في الغضب الخليجي عندما يبلغ مداه، وستركع الحكومة القطرية لها حتى وإن كابرت وكابرت، لأن هذا الحصار سيشل كل منافذ الحياة وسيعيدها إلى حجمها الطبيعي الذي حاولت تجاوزه باستخدام المال القذر في دعم الجماعات الإرهابية، وتوظيفه في تأجيج الفتنة في المنطقة.



هذا الحصار تضمن قطع العلاقات الدبلوماسية والقنصلية مع قطر، وإغلاق كل المنافذ البرية والبحرية والجوية، ومنع العبور في الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية السعودية، والبدء بالإجراءات القانونية الفورية للتفاهم مع الدول الشقيقة والصديقة والشركات الدولية لتطبيق ذات الإجراء بأسرع وقت ممكن لكل وسائل النقل من وإلى دولة قطر، ومنع المواطنين السعوديين من السفر إليها، أو الإقامة فيها، أو المرور عبرها، كما أن المملكة شددت على مغادرة المقيمين والزائرين السعوديين في الأراضي القطرية خلال مدة لا تتجاوز 14 يوما، كما أنها أسفت لمنع دخول أو عبور المواطنين القطريين إلى المملكة؛ لأسباب أمنية احترازية، وتمهل الزائرين والمقيمين منهم للمغادرة خلال 14 يوما، وهذا يعني أن قطر ستعاني من عزلة دولية سياسية واقتصادية، فالنتائج الأولية لهذا الحصار ظهرت في تراجع الأسهم القطرية كافة، وهبطت السندات الدولارية السيادية وارتفعت تكلفة التأمين على ديون قطر لأعلى مستوى في شهرين. كما أن الجدارة الائتمانية لن تكون استثناء.



الغضب السعودي الخليجي هذه المرة كان قاسيا وبحجم الأعمال العدائية التي تنتهجها الحكومة القطرية، ومع الأيام قد يتحول هذا الغضب السعودي الخليجي زلزالا مدمرا للحكومة القطرية اقتصاديا وسياسيا بعد أن بدأت دول عدة في دراسة التهم الخليجية السعودية الموجهة لقطر والمتعلقة بدعمها للإرهاب الدولي.



mohdalofi@