كل البشر أذكياء!

السبت - 20 مايو 2017

Sat - 20 May 2017

الذكاء بشكل مبسط هو أن يمتلك الإنسان قدرات عقلية تمكنه من التحليل والتخطيط وحل المشكلات وبناء الاستنتاجات، والقدرة على التفكير والإحساس، وفهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم. قديما كانت معايير الذكاء لدى العلماء تعتمد على اختبار نوعين فقط هما الذكاء اللغوي الذي يتميز صاحبه بمعرفة مفردات اللغة وقواعدها ويظهر بشكل واضح لدى الخطباء والشعراء وكتاب القصص والروايات. أما النوع الآخر فهو الذكاء المنطقي الرياضي وتظهر قدرة صاحبه في حل العمليات الحسابية المنطقية والمشكلات الرياضية وتحليل الرسوم البيانية ويبرز لدى المختصين بالرياضيات والحساب والفيزياء والكيمياء والمهندسين.

ومن خلال هذين النوعين كان يتم تحديد مستوى ذكاء الإنسان وأهملت بقية القدرات العقلية التي يمتلكها كالقدرات الاجتماعية والموسيقية والحركية وغيرها من القدرات العقلية العديدة! لكن عالم النفس الأمريكي «هوارد جاردنر» كان له رأي مختلف فهو يرى وجود أنواع عديدة من الذكاء غير الذكاء اللغوي والذكاء الرياضي المنطقي ومنذ العام 1983 أجرى العديد من الدراسات حول الذكاء البشري وتوصل إلى نظرية جديدة فيما يتعلق بذكاء الإنسان نشرها في كتابه الأطر العقلية «Frames of Mind» وسماها نظرية «الذكاءات المتعددة» رفض فيها فكرة أن الذكاء نوعان فقط وأكد على وجود أنواع عديدة من الذكاء، فالناس يختلفون في أنواع الذكاء ودرجاته. نظرية الذكاءات المتعددة تفترض أن كل إنسان يمتلك مجموعة متعددة فريدة من الذكاء إما فطرية وراثية أو مكتسبة متعلمة من البيئة التي يعيش فيها قابلة للنمو والتطور والتنمية وتختلف في نموها وتطورها من إنسان لآخر، كما تتفاوت في درجتها داخل الإنسان الواحد فمن الممكن أن يكون الإنسان ذكيا جدا في نوع، وأقل ذكاء في نوع آخر، وعديم الذكاء في نوع ثالث! في عام 1990 أضاف «جاردنر» خمسة أنواع جديدة من الذكاء التي يمتلكها الإنسان أولها الذكاء الذاتي الشخصي، ويتميز الإنسان الذي يمتلكه بقدرته على فهم نفسه وقدراته ومشاعره وأحاسيسه والتحكم في انفعالاته ويتضح جليا لدى الفلاسفة وعلماء النفس.

أما النوع الثاني فهو الذكاء الاجتماعي ويظهر في قدرة الإنسان على معرفة الآخرين ورغباتهم ومشاعرهم وتكوين علاقات اجتماعية وثيقة معهم، ويبرز هذا النوع غالبا لدى رجال الدين والسياسة ورجال الأعمال. ويعتبر الذكاء الموسيقي النوع الثالث من أنواع الذكاء ويتضح في القدرة على تمييز الأصوات والإيقاعات والنغمات والكلمات الموسيقية ويتميز به المطربون والملحنون وكتاب الكلمات الغنائية والعازفون على الآلات الموسيقية. أما النوع الرابع فهو الذكاء البدني الحركي ويميل أصحاب هذا النوع إلى استعمال الجسم للتعبير عما يريدون، والتحكم في حركات وعضلات الجسم، مثل اللاعبين الرياضيين. ويعتبر الرسامون والنحاتون والمهندسون المعماريون مثالا للنوع الخامس وهو الذكاء البصري الذي يظهر في القدرة على معرفة الأشكال والأحجام وتقدير المسافات والتعرف على الوجوه والأماكن ورسمها بكافة تفاصيلها الدقيقة.

وفي السنوات الأخيرة أضاف «جاردنر» ذكاءين جديدين لنظرية الذكاءات المتعددة وهما ذكاء علم الطبيعة ويتجلى في المقدرة على فهم الطبيعة وتصنيف ما فيها من حيوانات ونباتات والتعامل معها، ويمثل هذا النوع المزارعون والصيادون. أما النوع الآخر فهو ذكاء التعليم ويظهر في مقدرة الإنسان على إيصال المعلومات بأسلوب واضح وبسيط للآخرين وأولئك هم المعلمون!

نظرية الذكاءات المتعددة تخبرنا أنه لا يوجد على وجه الأرض إنسان ذكي وآخر غبي؛ فكل البشر أذكياء بدون استثناء وقادرون على استخدام قدراتهم العقلية ولكنهم يختلفون ويتفاوتون في أنواع الذكاء ودرجاته. ومن الممكن أن يكون الإنسان ذكيا ومبدعا في تكوين العلاقات الاجتماعية، ولكنه أقل قدرة في الذكاء اللغوي والذكاء الحركي مثلا. كما أن النوع الواحد من الذكاء يتفرع منه عدة أنواع أخرى أدق في تفاصيلها وخصائصها فمثلا الذكاء الموسيقي قد يكون الإنسان ذكيا ومبدعا في كتابة الكلمات الغنائية، ولكنه أقل ذكاء أو يجهل العزف على الآلات الموسيقية! أخيرا.. نظرية الذكاءات المتعددة تمكننا من فهم ما يتميز به أبناؤنا وأصدقاؤنا وزملاء العمل من ذكاء وقدرات عقلية، وتساعدنا على التعامل معهم وفق قدراتهم وإمكاناتهم من غير أن نكلفهم ما لا يطيقون!