حنان المرحبي

المشاريع التكنولوجية ليست كل شيء

الجمعة - 17 فبراير 2017

Fri - 17 Feb 2017

حينما نتحدث عن الأعمال فلغة الأرقام (الأرباح) مقياس مهم للتعبير عن النجاح. وهذه اللغة قد أثبتت قدرتها العجيبة في تذويب الكثير من الاختلافات بين الاعتقادات وكذلك الممارسات التجارية من أجل صناعة الأرباح.

ويبدو أننا نمر في عصر نشعر فيه بأنه يوجد هناك من يقدم دعما متخصصا أو يدا معينة (خدمة أو منتجا) لكل جانب من جوانب حياتنا. تتنوع أفكار رواد الأعمال وتكاد ابتكاراتهم تلامس كل شيء من تفاصيل حياتنا الدقيقة. وفي الواقع، ما يقوم به هؤلاء هو إقناع السوق بخدماتهم ومنتجاتهم، والطريقة تكون أولا بإثارة انتباه الناس لمشكلة ما (مع أنها قد لا تكون في الواقع مشكلة حقيقية) وإثبات تأثير وجودها عليهم وأنه من الضروري معالجتها، تمهيدا لعرض الخدمة أو المنتج الذي سيقدم الحل الأنسب لها (حسب رأي صانعه).

ولا شك أن جهود القطاع الخاص في معالجة المشكلات الاجتماعية والصحية وغيرها مهمة لتحقيق التنمية والرفاهية. ولكن، هل احتياج البشرية للكهرباء قبل ابتكارها وتسويقها كاحتياجها لتطبيق مثل «البحث عن جهازك المفقود»؟ بمعنى آخر، هل كل الاحتياجات التي نخلقها كرواد أعمال ونثير انتباه الناس لها كمشكلات لترويج منتجاتنا ستقدم نقلة نوعية لمجتمعنا وتقوده إلى فجر جديد؟

بالطبع لا، وذلك لعدد من الأسباب منها: أن اختياراتنا من المشاريع والأنشطة الناشئة أصبحت تغلب عليها الظروف المعاصرة التي تحددها بشكل كبير عوامل التكنولوجيا القائمة وما يبحث عنه مستخدموها. فهناك تقضي العقول الرائدة معظم وقتها، تحلل، تفكر، تعالج، تبتكر، وتروج. وهناك يقضي الناس عددا كبيرا من ساعاتهم، يستقبلون الأفكار، والمنتجات والخدمات والتي في الغالب تنحصر في تقديم البدائل لحياة سهلة، سريعة، وقرارات مسترشدة بأحدث تقنيات المعلومات.

وذلك ينسينا حقيقة أن ذلك كله ليس إلا جانبا واحدا من الجوانب التي تغطي احتياجات البشرية للأفكار والمشاريع الجديدة للتنمية. لننظر إلى ما قدمته الكهرباء والانترنت والطائرات والأقمار الصناعية والمكائن بعد نجاحها في الانتشار كمشاريع تجارية وكيف غيرت الكثير من أنماط حياة الناس وتسببت في حدوث نقلة حضارية عظيمة ليس فقط في أوطان مبتكريها ولكن بالعالم أجمع.

قد يكون التقصير الأكبر محليا يعود إلى عزوف الشركات الكبيرة عن الاستثمار في خلق مشاريع جديدة واحتضان الأفكار المبتكرة والإبداعية والتي أصبحت متوفرة بعد نجاح برامج الابتعاث الوطنية وعودة المبتعثين بأحدث العلوم والقدرات والتقنيات والمعارف.

كشفت دراسة أجراها Chris Zook شملت المشاريع الجديدة المسجلة في قطاع الأعمال بأمريكا أن متوسط فرص نجاح المشاريع الكبيرة في تحويل الأفكار المبتكرة إلى مشاريع واسعة الانتشار هو 1 من 8. في حين أن متوسط فرص نجاح رواد الأعمال الناشئين في تحويل تلك الأفكار إلى مشاريع يصل حجم الواحد منها إلى 100 مليون دولار هو 1 من 500.

من غير المستغرب أن يتكدس سوق الأعمال السعودي بالمشاريع المعتمدة على التكنولوجيا وشبكات التواصل لأنها الأوفر حظا في النجاح (الانتشار) والأقل مخاطرة لرواد الأعمال الصغار الذين لا يجدون الدعم من قبل الشركات الكبيرة. وهذا قد يعني تراجعا في ريادة المشاريع التي تغطي جوانب أخرى مهمة من حياتنا غير التكنولوجية كالخدمات الصحية والعلاج والحماية البيئية لتحقيق تنمية تلامس احتياجات قد تزيد أهمية.

[email protected]

الأكثر قراءة

جميلة عادل فته

رجال الأمن.. رجال