خليل الشريف

السكون والصمت

الأربعاء - 15 فبراير 2017

Wed - 15 Feb 2017

ليس هناك في الوجود على الإطلاق لحظة صامتة ولا لحظة ساكنة، فعلى مستوى الحركة تحدثنا مسلمات العلم أن كل شيء خاضع للحركة المتواصلة وللتغير المكاني المستمر، حيث يستحيل تحديد مكان أي شيء في الكون لأن كل شيء في الكون بدءا من الذرات المتناهية في الصغر، والتي لا ترى بالعين المجردة إلى الكواكب والنجوم والمجرات الضخمة، يتغير مكانها وحركتها في كل لحظة، بل وفي كل أجزاء اللحظة نفسها، فالأرض وما عليها متحركة حول نفسها وهي تسير أيضا في حركة أخرى حول الشمس وهي كذلك في حركة منتظمة مع حركة مجرة درب التبانة وهي أيضا متحركة مع حركة الكون الذي يتسع ويتمدد بشكل مستمر، وفي المقابل، إذا عدنا لأصغر خلايا كل شيء كائنا حيا أو مادة أو سوائل أو هواء نجدها في حركة دائبة، والذرات والالكترونات تتحرك بدورها في شكل مستمر وسريع.

إن كل شيء في حالة عنيفة من الحركة المستمرة التي لا تهدأ ولا تنقطع، والسكون أمر مستحيل والصمت وانقطاع الأصوات أمر مستحيل أيضا، لأن كل حركة صغرت أم كبرت يستلزم أن تصدر صوتا سواء كان هذا الصوت مسموعا بمقاييس سمعنا المحدودة أو غير مسموع، وبالتالي فإن الكون في حالة مستمرة من الحركة والأصوات.

وعلى مستوانا الشخصي نحن لا نتوقف عن الكلام ولا لحظة واحدة، فنحن وإن سكتنا عن النطق، فإننا نظل نحدث أنفسنا بصوت داخلي يسمعه عالمنا الجواني، ونحن نحدث أنفسنا أكثر بكثير من حديثنا لبعضنا بعضا، وعقولنا في حالة نقاش دائم وداخل ضميرنا تعلو المحادثات والحجج والمرافعات، كما أن الصمت يتضمن لغة ناطقة بشكل أو بآخر، فحركات أجسادنا مليئة بالكلام، والنظرات والعيون تتحدث بأشكال مختلفة من الأصوات وصوت النظرات أحيانا أعلى من صوت الكلام وأشد تأثيرا على أنفسنا ونحن نخشى النظرات أكثر من شيء آخر، فعندما ينظر إليك شخص فإنك لا تكون حرا وتصبح تحت سلطة نظراته، وينتج عن ذلك صوت داخلي يتساءل عن سبب هذه النظرات وماذا يريد منك ولماذا تلفت أنظاره؟ ونحن كذلك نستر أجسادنا خوفا من نظرات الآخرين التي تتحول إلى صوت خارق يقتحم حياتنا الشخصية، ولولا نظرات الآخرين لربما ما احتجنا إلى الاهتمام الكبير بملابسنا ومقتنياتنا وأشيائنا.

إذن الحياة لا تتضمن لحظة سكون أو صمت ونحن في حالة مستمرة من الحركة التي تكون بإرادتنا أحيانا وبإرادة قوى أخرى في غالب الأحيان، كما أننا لا نعيش لحظة صمت واحدة، حتى في المنام تحيطنا الأصوات الخارجية من كل مكان وتنتابنا الأحلام بأصواتها وأبطالها وأحداثها المختلفة من الداخل، والتفكير كذلك هو أصوات ومعان وعبارات، وللتفكير صوت يمكن أن نسمعه من خلال تحويل ذبذبات كهرباء الدماغ إلى مؤشرات صوتية، والحب صوت وخفقان قلب واضطراب مشاعر، والمرض صوت وتأوهات وأنين، والفرح صوت وتصفيق ورقص وطرب، والصلاة أصوات وذكر وتهليل وتسبيح وتكبير.

إن الحياة حركة مستمرة وأصوات لا تتوقف وسيعجز أي إنسان مهما كانت محاولاته عن إيجاد لحظة ولو في المليون جزء من الثانية يكون فيها في لحظة صمت وسكون تامة.