سهام الطويري

دبكة ملحم وموال المهندس وشيلة ظالم ولكن!

السبت - 28 يناير 2017

Sat - 28 Jan 2017

الحفاظ على الموروث التراثي ونقله عبر الأجيال مسؤولية النخبة الفنية في كل زمان ومكان، كما أن رهافة الحس لدى الفنان الذي يؤدي دور الرسول الفني لحضارة موطنه تلعب دورا إعلاميا مهما في تسويق ثقافة كاملة مكتملة عن حضارته، كما أن رهافة الفنان لا تأتي من الفطرة فقط ولكنها اختزال قوي لتفاصيل متقاطعة عن نوعية التعاطي الحضاري والتفاعل مع الموسيقى داخل مجتمعه الكبير، وكيف أن ذلك المجتمع الكبير تعبر عن أحاسيسه الكلمة وعن صوته الألحان وعن تاريخه من خلال رقصاته، لا أحد يشعر بتقادم الفلكلور الشامي ما إذا شدا به مطرب جديد أو من جيل الشباب، فالأغنية الشامية التي تقدم فلكلور الدبكة اللبنانية يأتي إلينا فخما جدا مثل فخامة الفنان اللبناني الأنيق في جميع تفاصيله بدءا من شياكته في المظهر الشخصي وليس انتهاء بإلهامه لجمهوره بالأمل في الحصول على رفاهية حياة عائلية خاصة مثل ذلك الفنان، لما اعتلى المطرب الوسيم ملحم زين خشبة مسرح أراب أيدول ليقدم للجمهور أغنية فلكلور دبكة لبنانية حلقت في أجواء المستمع رغبة الانطراب التي لا يفصلها عن زمن شمسي نصر الدين ولا نجوى كرم أي فاصل زمني، فاللبناني أثبت ترفه في هندمة فلكلور الدبكة اللبنانية وكأنها أحد المقدسات الوطنية.



والأمر نفسه حينما تشق البغدادية الطويلة الشجية آذان الأرض من مشرقها لمغربها، فشجن قيصر العرب كاظم الساهر في موال فوق النخل يفرض على الجو احترام حضور المطرب البغدادي الراحل الكبير ناظم الغزالي، والذي لم يمت حضوره حتى على مستوى جيل المطرب العراقي الشاب قصي حاتم الذي تشجي لكنته العراقية الثقيلة كل من يريد أن تستحضر ذاكرته رائحة بغداد الرشيد. أما الحالة السعودية فهي التي تستوجب الإنعاش بسبب قتل الغناء والطرب ونحره بأساليب أيديولوجية على منصة الموهبة حتى لا يعتلي أحد من الشباب تلك المنصة بعدما أرغم الناس على تبني أيديولوجيا منتنة لعقود من الأزمنة خلقت أجيالا شابة إما تستميت في أحضان تلك الأيديولوجيا أو تقاومها من خلال اتباع فطرة حب الفن التي لا تجد بيئة صحية تصقلها فتبقى هزيلة تطويها الأزمنة سريعا.



الأنكى من ذلك أن جيل عمالقة الفن منذ الستينات وحتى الثمانينات كانوا أندادا مقاومين لمسألة انصهار الفلكلور السعودي أو تسيد الفلكلورات العربية عليه، من منا مثلا يستطيع أن يختصر دور الراحل الكبير طارق عبدالحكيم في إذاعة وتصدير الفلكلور الطائفي والحجازي للعالم العربي، بل غنت المطربة اللبنانية نجاح سلام، أحد الأسماء المهمة آنذاك على بورصة الغناء، أغنيته الشهيرة يا ريم وادي ثقيف، ولم تقتصر الحالة آنذاك على تفرد المطرب السعودي وحضوره القوي بفلكلور الأغنية السعودية على الساحة العربية فقط، بل نبغت في الساحة أسماء سعودية ذات رونق أنيق جاذب للمفاوضات على التعاون السعودي. الراحل طلال مداح لم ينج من تشويه إرثه من قبل «مشلحي» ما يسمى بالشيلة، وقد عانيت أياما وأنا أحاول أن أنظف أذني من بقايا صوت نشاز لشيال غنى لطلال مداح أغنية «ظالم ولكن»!



الأنكى من هذا كله هو اختفاء حضور الفلكلور المناطقي السعودي تماما في أعمال الهواة من جيل الشباب، وتسيد طوفان تعميم لون الشيلة التي تثير الغبرة السريعة في أجواء المستمع، تعممت الشيلة كالعنقز على جميع قبائل المملكة حتى إن بعض القبائل الجنوبية القروية التي لا تعرف للبداوة في تاريخها أي صفحة، تركت تفرد إرثها الفلكلوري ودخلت الشيلة كموروث جديد لا يتناسب مع طبيعتها أساسا، أنا مثلا قروية لما اكتشفت شيلة عنا تخيلت انسلاخ الشيال من إرث الأجداد في ممارسة رعي الغنم على صوت المزمار «البوص» وإنشاء الشعر الخاص بمغازلة محبوبته في تنومة مثلا، صار الشيال القروي فارسا بدويا!



حاملا للخيل ومفخما تواريخ معارك ومبالغا في صفات الكرم والضيافة في فترة نعاني فيها من كساد اقتصاد العالم بأسره! المهم أن المصيبة هنا أن هوية الشيلة تنأى وتجمح كالخيل عن تراث فلكلور وتاريخ وهوية تلك القرى التي تختلف في طابعها عن طابع الشيلة.



هل من الممكن أن يظهر لنا جيل جديد يحمل حنجرة حضرمية تستحضر لنا شجون أبوبكر سالم، أو يتميز بذوق رفيع كما كان طارق عبدالحكيم، أما فنان العرب فهو ظاهرة سعودية لم يخلق لها من الشبه أحد.