وقع البرد وتعطل التيمم!

الأربعاء - 28 ديسمبر 2016

Wed - 28 Dec 2016

ألا تلاحظون أن رخصة التيمم في حالات البرد معطلة، فالتيمم لا يقتصر فقط على عدم وجود الماء فحسب، بل هو رخصة شرعية ذات مقاصد تراعي مشقة الإنسان عند الطهارة، سواء في وجود الماء أو عدمه، فالله جل وعلا يقول:(ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) ويقول سبحانه: (فاتقوا الله ما استطعتم).



وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة «ذات السلاسل» فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت: إني سمعت الله يقول: (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) النساء/29، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا. رواه أبو داود(334)، وصححه الألباني في «صحيح أبي داود».



وفي هذا دليل على أن النبي أقر التيمم عند وقوع البرد ولم ينكره، خشية على الإنسان المضرة والهلاك، كما خشي عمرو بن العاص على نفسه فتيمم. يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذلك الحديث: وفي هذا جواز التيمم لمن يتوقع من استعمال الماء الهلاك سواء كان لأجل البرد أو غيره، وجواز صلاة المتيمم بالمتوضئين. «فتح البارئ» (454/1).



ويقرر الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله التيمم في حالة وقوع البرد وخشية المضرة من استعمال الماء، إذن، التيمم لأجل البرد رخصة، لكنها رخصة معطلة، لذا تجد من يقوم بتأخير الفريضة العظيمة عن وقتها، بحجة عدم توفر الماء الدافئ أو عدم توفره، أو انقطاعه بالجملة، وهذا ما حذر منه العلماء السابقون من حرمة تأخر الفرائض وتعطيلها بسبب انقطاع المياه أو العناء في استخدامها، فهم يرون أنه لا عذر لتأجيل فرض طالما أن هناك حلولا بديلة عن الماء تكمن في التراب فقط كما هو عند الحنابلة والشافعية، والزرنيخ والحجارة وكل ما كان من جنس الأرض كما عند المالكية والحنفية، وهذا الرأي ينطبق في التيمم بآنية من الفخار أو على حائط، لقوله تعالى: (فتيمموا صعيدا طيبا). وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن التيمم على الجدار؟ فأجاب: الجدار من الصعيد الطيب، فإذا كان الجدار مبنيا من الصعيد سواء كان حجرا أو كان مداراـ لبنا من الطين ـ فإنه يجوز التيمم عليه.



من هذا الصعيد، وبناء على ما ثبت في هذه الشريعة السمحة، من تقارب ويسر وتيسير، فإني أرجو من فقهائنا الكرام إعادة النظر في بعض القضايا التي فيها كلفة على الفرد المسلم، وما لها أيضا من تداعيات وردود أفعال سلبية كالتهاون والتكاسل والارتخاء.



لذا، على المختصين أن يمحصوا في حال المتضررين من وسائل الطهارة في حالات البرد القارس، فمنهم من الفلاحين والبسطاء وسكان البراري والصحراء، ومنهم أيضا من الذين لا يشقون خيطا بإبرة إلا بفتوى، فلسان حال هؤلاء يترنح بين الحين والآخر: (ماذا قال الشيوخ في هذه القضية؟) إننا بحاجة -أيها الفقهاء- إلى الاستناد إلى مقاصد الدين الإسلامي الحنيف، في تقدير معاناة الناس وعوزهم للإرشاد والبيان، تبيان الرخصة والحكمة منها، هو تبيان سعة رحمة الله على خلقه، وكما قال تعالى في كتابه الكريم:(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها).