شاهر النهاري

شهر النسيء والأشهر القمرية العربية

الجمعة - 16 ديسمبر 2016

Fri - 16 Dec 2016

تعج مراجع التاريخ العربي بالحديث فيما كان يسمى بشهر النسيء، والذي عرفه القرآن الكريم بقوله تعالى «إنما النسيء زيادة».



وقد كان النسيء يستخدم فيما قبل الإسلام لضبط مواقيت دخول وخروج مواسم الفصول الأربعة بالنسبة لمن كان يستخدم السنة القمرية، فيكون هنالك توازن دائم لفصول الزراعة، ومع رحلات الشتاء والصيف، والتناسق في ذلك مع السنة الشمسية، وذلك لردم الفارق بين السنتين، والذي يبلغ حوالي 11 يوما من كل سنة، فيتم بذلك تلافي أن تأتي فصول السنة القمرية الهجرية على غير مسمياتها، فيكون الربيع ربيعا، ويأتي الجماد باردا، ويهل رمضان في وقت الرمضة الحارة، ويأتي الحج وسط الشتاء ومع نهاية السنة الشمسية.



ولكي يعالج عرب الجاهلية ذلك الفارق، فقد قاموا بزيادة شهر سموه بالنسيء، وكانوا يضيفونه لنهاية السنة أو بعد كل ثلاث سنوات عربية، بغرض سد الفارق بين السنة القمرية، والسنة الشمسية، بمعدل 11 يوما للسنة، وما يقارب 33 يوما لكل ثلاث سنوات، يضاف لسنواتهم، فتظل المواسم الزراعية والدينية والتجارية ثابتة في مواعيدها، ولا تختلف السنة القمرية عن الشمسية، وتأتي الفصول في مواطنها الطبيعية.



ومثل هذا العمل هو ما يتم ضبط السنة الشمسية به في التقويم الميلادي، حيث يتم إضافة يوم لكل رابع سنة، وبما يسمى بالسنة الكبيسة، مما جعل سنوات التقويم الميلادي تتساوى في كل مكوناتها.



وفي أواخر عهد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلامية، أصبحت بعض قبائل الجزيرة العربية تتلاعب بأوان ومعاني ذلك الشهر، حتى يتمكنوا من تأجيل أو منع حلول بعض الحروب، باعتبار أنها تقع في الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، ورجب)، فنزلت الآية الكريمة «إنما النّسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله»، مما جعل المسلمين يحرمون وجود هذا الشهر، ويقطعونه كليا، فأصبحت السنة الهجرية تنكمش طولا عن السنة الشمسية، واختلفت فيها مواعيد الفصول، فأصبحت شهور الربيع تأتي في منتصف الشتاء، وشهر رمضان يتجول في مواعيده من عز البرد، إلى عز الحر، كما أن موسم الحج لم يعد مستقرا في منتصف الشتاء، وتأتي بعض مواسمه في عز القيظ.



وحقيقة أن سبب كتابتي عن شهر النسيء، مقابلة تابعتها على الانترنت للمفكر التاريخي المصري يوسف زيدان، والذي تكلم باقتضاب عن هذا الشهر النسيء، وانتقده وجعل أغلب ما مرت به الدول الإسلامية من معضلات ترتكز على شطب هذا الشهر من التقويم الهجري!



وبالطبع فأنا لا أصدر حكما هنا، ولا أدخل في تحريم أو تحليل، ولكني أطرح الموضوع الشائك كنوع من التساؤل الفكري التوعوي حول حقيقة هذا الشهر، ومدى صحة ما ورد فيه، وعن مدى تأثيرات شطبه، التي نلمسها فعلا من خلال عدم توازن مواسمنا وفصولنا.



وتساؤلي هنا أرفعه إلى مقام رابطة العالم الإسلامي، آملا ألا تستمر في تحييد المواضيع الجذرية الهامة، التي تخص كل مسلم على وجه الأرض، وآملا أن تتم دراسة ذلك من قبلهم، وتعديل الميل فيه إن وجد، وتأكيد الصواب بشكل علمي عملي، حتى لا يستمر العالم الإسلامي مشككا في صحة مواسمه.



[email protected]