وحيد الغامدي

أخرجوا (بني ليبرال) من أرضكم!

الاثنين - 14 نوفمبر 2016

Mon - 14 Nov 2016

يعاني مشهدنا الثقافي دائما من سوء الظن المتبادل بين الفرقاء داخل الساحة، ولكن ببحث هذا المنحى من السلوك سنجد أن ثقافة الشك والتوجس هي صفة أصيلة عند إنسان الصحراء لم يتخلص منها بعد. كان ذلك الإنسان – وكي يعيش – في بيئة مليئة بالمخاطر لا بد أن يشك في كل ما حوله، ويتوجس من أي غريب، وحتى حين انتقل هذا الإنسان إلى المدينة بقي محتفظا بالذهنية نفسها، كون هذا الانتقال ليس إلا في شكل المسكن وطريقة المعيشة اليومية.



وحين تطلق هذه التوصيفات (بني ليبرال، بني علمان)، بل وفي داخل البيت المتشدد نفسه حين كانت التجاذبات المتبادلة بين فرقاء المذهب حين يطلقون على بعضهم (بني سرور، بني جام)، بل وحتى في داخل بعض العقول التي تتبنى الطرح النقدي والتنويري حين يصفون مخالفيهم بـ (بني صحوة)، كل ذلك يعكس حقيقة الذهنية التي تتبنى الخصومة بسبب أفكار بأنها لا تزال ذهنية (عشائرية) لم تهضم بعد قيم التمدن الذي يرتكز على شرط التنوع الطبيعي، ولا تزال تلك الذهنية تتعاطى مع الأفكار والاختلافات بنفس التعاطي (العشائري) الذي يرى بأن الاختلاف الطبيعي غير مسوغ ولا مبرر سوى في مستوى ذلك الاختلاف الانتمائي العرقي الذي يفرز المنتمين للقبيلة (بني فلان) عن غيرهم من البشر، وما يتبع ذلك الفرز من تصورات تضفي مختلف المعايير التصنيفية للذات وللآخرين.



البيئة تلقي بظلالها على شخصيات ساكنيها، هذه حقيقية، ولكن الحقيقة الأبرز هي أن الطفرة النفطية والانقلاب الاقتصادي نهاية السبعينات وما صاحبهما من انقلابات شاملة في المستويات الاجتماعية المتعددة كل ذلك قد أضر فعليا بعملية التحول الحضاري التي يفترض بها أن تكون تراكمية وبأيدي أبناء البلد أنفسهم لا فجائية بذلك الشكل الذي لا يقف سوى على مسبب ريعي فقط كارتفاع النفط آنذاك. كل ذلك كانت له تبعاته العميقة دون وجود بنية تحتية (ثقافية) تخدم تلك العملية من التحول بالشكل الصحيح والناضج.

ولكن هذا ليس مهما الآن.. المهم هو: ماذا نريد؟ وإلى أين سنصل؟



هذان السؤالان يجب أن يكونا محور مشروع حوار وطني شامل يشترك فيه الجميع في كل المستويات الإعلامية والتعليمية والدينية أيضا، نحن بحاجة إلى لغة حوار نعي بها ذواتنا جيدا، ونستكشف بها طريقنا نحو المستقبل، وكيف يمكن أن نؤسس لعملية انتقال حضاري حقيقي في مستويات السلوك والوعي وأدوات التفكير وآلياته.



لقد درج الوعي الذي يتعاطى مع الأفكار على خاصية سوء الظن بالآخر المختلف، وتحميل الطرح المخالف ما لا يحتمل من حمولات التخوين والعمالة واتهام النوايا، كل ذلك يجب أن ينتهي ونحن نواجه مختلف التحديات داخليا وخارجيا، هنا ستضيع ملامح الوطن الحاضن كصورة انتمائية مشتركة، بل ستضيع كل المشتركات حين تتضخم الاختلافات بشكل مبالغ فيه لتصبح معايير فاصلة في الفرز والاستقطاب، وفي النهاية لن نصل إلى شيء حقيقي يمكن أن نقدمه للأجيال القادمة ليستكملوا هم بدورهم البناء على ذلك الشيء، وفي النهاية نظل ندور في حلقة مفرغة وصراع هو نفسه منذ عقود بنفس أدواته التقليدية باختلاف مجالات المناورة في كل حقبة زمنية.



[email protected]