مصارف الزكاة الثمانية

قال تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة التوبةآية 60).

قال تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة التوبةآية 60).

الاحد - 20 يوليو 2014

Sun - 20 Jul 2014



قال تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (سورة التوبةآية 60).

-1 سهم الفقراء موجه إلى فئة معدمة ذات ميل كبير للاستهلاك لا تتوفر لها احتياجاتها الأساسية، فتوجه حصيلة الزكاة للاستهلاك مما يعني إيجاد طلب على سلع الاستهلاك، فيزيد تبعاً لذلك العرض، مما يستدعي عمالة إضافية فيتولد طلب آخر، وهكذا تزدهر حركة النشاط الاقتصادي وتدور عجلة الاقتصاد بيسر وسهولة وتخرج العالم من التضخم والكساد والبطالة، هذا الثلاثي المدمر الذي أصبح هاجس الاقتصادين المعاصرين ستتم محاربته إذا آمنا وتيقنا ووضعنا نظاما ضرائبيا مستقى من قواعد الزكاة.



-2 وسهم المساكين باعتبار المسكين هو من يجد ولكن لا يجد ما يكفيه، فنحن نساعده للوصول إلى حد الكفاية، وذلك بمساعدته في إيجاد عمل بتملك آلة أو دابة أو تدريب على حرفة، وبالتالي فهو سهم موجه إلى فئة من المجتمع لينقلها من طبقة الآخذين إلى طبقة المزكين، بالإضافة إلى أن الطلب المكون من هذا الإنفاق متجه إلى نوعية أخرى من السلع هي ليست سلعا استهلاكية وإنما سلع إنتاجية، وذلك بالإضافة إلى أثر هذه السلع في الإنتاج فإنه يخلق طلبا عليها يؤدي إلى ثبات أسعارها أو رواجها مما يشجع على التوسع في إنتاجها.



-3 وسهم العاملين عليها فيه حكمة عظيمة، سواء في الترتيب أو النسبة، ففي الترتيب يرينا أن نفقة الموظفين ليست مقدمة على نفقة المستفيدين أنفسهم، فقدم أصحاب الحاجة من فقراء ومساكين على العاملين، ولو أخذنا بهذا المبدأ فقدّمنا أصحاب الحاجة من الفقراء في الضمان الاجتماعي على عدد من الموظفين والجهاز الإداري لوجهنا الموارد المتاحة وجهة صحيحة، ولو أخذنا نسبة 12.5 % كسقف لا يجوز أن تتجاوزه نفقة الجهاز الإداري في أي نشاط لكان أمامنا معيار تنموي ممتاز ولما توسعت حكوماتنا في نفقات إدارية غير إنتاجية استهلكت معظم ميزانية الدول في العصر الحديث.



-4 أما سهما الغارمين وابن السبيل وهم فقراء في اللحظة التي سينطبق عليهم وصف الغارم وابن السبيل حتى وإن كانوا أغنياء في أوطانهم أو لحظات أخرى، فلماذا تخير الشارع الحكيم هذين الصنفين من الفقراء وجعل لكل منهما سهما ولم يتخير مثلا المريض الفقير أو الأرملة الفقيرة أو غيرهما من حالات الفقر؟

أ - أقول، والله أعلم، لأن هذين النوعين من المحتاجين في نظري يتم توجيه سهميهما بما يؤدي إلى إدارة العجلة الاقتصادية بطريقة لا تتوفر في غيرهما.

ب - ولو تصورنا وجود صندوق للغارمين يُدفَع منه لكل من تحمّل دينا شرعيا لمصلحته أو لمصلحة عامة، ولم يتمكن من سداده لظروف خارجة عن إرادته فإن المنتجين في ذلك المجتمع والصانعين سيقبلون على البيع بالأجل لمن تتوفر لديه إمكانات التسديد وهم مطمئنون أنه لو تعثر في السداد لأسباب خارجة عن إرادته فإن صندوق الغارمين سيدفع عنه.

ج - والتوسع في الاتجار لبيع المنتجات يخلق طلبا يؤدي إلى زيادة في العمالة لمواجهة الزيادة في الفرص المطلوبة، وذلك سينتج عنه تقليل للبطالة وأجور تدفع للعمالة تخلق طلبا جديدا.

د - وبذلك تدور العجلة بين زيادة في الطلب وزيادة في العرض تؤدي لزيادة في فرص العمل، وفي ذلك أيضاً اطمئنان للصناعة الوطنية لو باعت لخارج الوطن، ومن مثل هذا الصندوق أو على غراره أنشئت صناديق لتشجيع الصادرات.



-5 ومثله سهم ابن السبيل، فلو تخيلنا مدينتين تشابهت ظروفهما في كل شيء وكان بإحداهما صندوق لابن السبيل وأراد سائح أو طالب علم أو استشفاء أن يسافر وعلم بوجود الصندوق ألا يفضل الذهاب إلى تلك المدينة كتأمين له في حالة الانقطاع أو السرقة؟ وذلك سيؤدي إلى زيادة الزائرين للمدينة، فيزيد الطلب على سلعها وتتكرر نفس الدورة السابقة.

وهكذا نجد أن هذين السهمين مع سهمي الفقراء والمساكين موجهة لذوي حاجة صحيح، ولكن ذلك يخلق طلبا على سلع وخدمات مختلفة تؤدي إلى زيادة حجم الطلب الكلي، وبالتالي يزيد العرض فتزيد فرص العمل فتمنح أجور وهكذا تدور عجلة الاقتصاد دون توقف، بإذن ربها، لأن التوازن الذي جعل بين المصارف الثمانية توازن رباني وليس تفكير بشر خاضعا للتبدل والتحول.



-6 وسهم المؤلفة قلوبهم سيؤدي إلى الأمان الاجتماعي باستقطاب من يُخشى ضررهم أو يُرجى نفعهم لمجتمع المسلمين فيتفرغ المجتمع بسلام للتنمية.

ولنا أن نتخيل لو وجه ثُمن دخل الزكاة إلى الإعلام المعادي وإلى رجال الكونجرس أو أمثالهم في محاولة لجلب نفعهم ودرء ضررهم فكيف يكون حال مجتمعنا.



7 - وفى الرقاب، هل تظن أن الله فرضها ثمانية مصارف وأنها ستصبح خمسة أو ستة؟ ستظل ثمانية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن علينا أن نمعن النظر ونجهد الفكر، أين هي الرقاب ...؟

كذلك الشعوب المسلمة المأسورة بديونها لأمم أخرى، لماذا لا نحاول فك أسرها عن طريق هذا المصرف؟

إن اقتصار مفهوم الرقاب على عتق العبيد والجواري، مفهوم خاطئ لغة وشرعا، فالعرب حين يقع أحدهم في مشكلة عويصة يتوجه إلى القادر على حلها سائلا إياه .. اعتق رقبتي أو (فك رقبتي) أي خلصني من هذه المصيبة.



8 – أما سهم في سبيل الله فهو أوسع من أن نحصره في مفهوم الحرب أو الجهاد، فالسبيل هو الطريق وكل طريق يوصل إلى رضاء الله فهو في سبيله.

إعمار الأرض يأتي التزاما بأمر الله ولإرضائه إذن فهو سبيله.

وبهذا يكون مصرفا في سبيل الله شاملا لجميع وجوه وطرق الخير الموصلة إلى طريق البر، وذلك يشمل أشياء عديدة تختلف من زمن لآخر ومن قطر لآخر، ويكون سبيل الله هو كل ما يحفظ للأمة الإسلامية مكانتها المادية والروحية، ويشمل الدعوة بمعناها العريض.

إن في سبيل الله مقرونة بالآية «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ» بالإضافة إلى ما يفهم منها تقليديا فإن تعبير القوة تعبير متسع شامل يستوعب القوة التقنية والأبحاث والتطوير وإعداد القيادات وتحسين مخرجات التعليم.



تساؤلات حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية للزكاة:-

-1 إذا كان المقصود من آية الصدقات هو توزيع الزكاة على المصارف الثمانية جميعها، فهل توزع الزكاة عليها بالتساوي أم يمكن أن تختلف نسبتها؟

- وإذا كان من الجائز اختلاف نسبتها، فما هو معيار ذلك الاختلاف، وعلى أي أساس يمكن تمييز مصرف على آخر؟

- ومن الذي من صلاحياته أن يقرر ذلك التمييز، أهو من استحقت عليه الزكاة، أم الحاكم؟

-2 هل يوجد معيار واضح وثابت للتفرقة بين الفقراء والمساكين الذين يخص كل منهما سهم من ثمانية أسهم من أموال الزكاة؟ ذلك أن بعض الفقهاء يجمعون بين الفقراء والمساكين من حيث الحاجة والفاقة ومن حيث استحقاقهم الزكاة .. فإن المساكين - وهم قسم من الفقراء - لهم وصف خاص بهم، وهذا كاف للمغايرة.

كذلك فإن فقهاء آخرين يقولون «إن الفقراء، وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم بكسب ولا غيره. والمساكين وهم الذين يجدون ذلك ولا يجدون تمام الكفاية» ويضيفون «فأما الفقراء والمساكين فهما صنفان وكلاهما يأخذ لمؤونة نفسه، والفقراء أشد حاجة، لأن الله سبحانه بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم، ولأن الله سبحانه قال: «أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر»، فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها، ولأن النبي، صلى الله عليه وسلم، استعاذ من الفقر وقال فيما رواه الترمذي: (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) فدل على أن الفقراء أشد. فالفقير من ليس له ما يقع موقعا من كفاية من كسب ولا غيره، والمسكين الذي له ذلك، فيعطى كل واحد منهما ما تتم به كفايته».

وعلى ذلك فهناك فرق واضح بين الفئتين، غير أنه ليس من اليسير أن يستدل مؤتي الزكاة على كل منهما.

ألا يوجد سبيل لهذا الاستدلال بحيث لا يحدث اللبس بين الفئتين؟

-3 هل يمكن تطبيق سهم المؤلفة قلوبهم - في وقتنا الحاضر - على رجال الإعلام ورجال الفكر والأدب والأجانب وغيرهم من ذوي النفوذ لنجعلهم حياديين تجاه الإسلام، فلا يهاجمونه أو يتهجمون عليه؟

-4 في عصر بطل فيه السفر مشيا أو على ظهر مطيّة، ألا يمكن الاجتهاد في وضع تعريف لابن السبيل؟

- وهل يمكن اعتبار المسافر للحج وفقد أمواله، ممن ينطبق عليه سهم ابن السبيل؟

- وهل يمكن النظر إلى السائح وكأنه ابن السبيل؟

- وهل يمكن تحويل مصرف «ابن السبيل» إلى وزارة المواصلات لتمهد الطرق وترشد المسافرين؟

هذه بعض تساؤلاتي حول الزكاة. وفي العدد القادم، إن شاء الله، أواصل الحديث عن الزكاة وأطرح بعض التساؤلات.