إعادة النظر في طريقة إدارة الصراع العربي الإسرائيلي

لا تتمثل مظاهر مآسي الصراع العربي الإسرائيلي في احتلال فلسطين والظلم الذي وقع على شعبها وعلى غيره من الشعوب العربية، بل المظهر الآخر يتجسد في الفشل الذريع في إدارة هذا الصراع الذي هو نتاج عقود من «عنتريات» بعض الزعماء «الثوريين»

لا تتمثل مظاهر مآسي الصراع العربي الإسرائيلي في احتلال فلسطين والظلم الذي وقع على شعبها وعلى غيره من الشعوب العربية، بل المظهر الآخر يتجسد في الفشل الذريع في إدارة هذا الصراع الذي هو نتاج عقود من «عنتريات» بعض الزعماء «الثوريين»

الثلاثاء - 24 يونيو 2014

Tue - 24 Jun 2014



لا تتمثل مظاهر مآسي الصراع العربي الإسرائيلي في احتلال فلسطين والظلم الذي وقع على شعبها وعلى غيره من الشعوب العربية، بل المظهر الآخر يتجسد في الفشل الذريع في إدارة هذا الصراع الذي هو نتاج عقود من «عنتريات» بعض الزعماء «الثوريين» العرب الذين خدروا الشعوب بشعارات براقة ووعدوها بإلقاء إسرائيل في البحر، فألقاهم التاريخ في يم النسيان والفشل وتركوا للشعوب فاتورة تدفعها من دمها وكرامتها.

واستقرت إسرائيل بين البحار والأنهار وتمكنت من إدارة الصراع بطريقتها وحولته مع الزمن إلى صراع بين بلد يدافع عن أمنه وشعبه مقابل مجموعات إرهابية.

جنح العرب منذ عقود إلى السلم ومدوا أيديهم إلى إسرائيل وأعلنوا تخليهم عن السلاح ووصف بعضهم المقاومة التي هي حق مشروع لكل شعب احتلت أرضه، بالإرهاب أو في ألطف الأحوال اعتبروها عنفا، وانقسمت الأمة بين نابذ للعنف ومتمسك (أو مدع) بالمقاومة، وكسبت إسرائيل مكاسب جمة من هذه المعادلة، فأخذت مغانم «السلام» وشربتها ماء زلالا، لكنها لم تدفع أي ثمن لمرحلة «السلام» وظل طيرانها يستبيح سماء وأرض ما شاءت من الدول العربية، ودمرت المفاعل النووي العراقي سنة 1981م وضربت مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس سنة 1985م واغتالت عددا من قيادات المقاومة الفلسطينية.

وانعكست هذه الوضعية بكل سلبياتها على الفلسطينيين شعبا وفصائل ومؤسسات، فاختار بعض الفلسطينيين المقاومة، وذلك حقهم، وسلك طيف آخر مسلك «السلام» وذلك اجتهاد يحكم عليه حسب النتائج على أرض الواقع.

وبعد بداية عملية أوسلو وانخراط فتح في العملية السلمية اندلعت الانتفاضة الثانية وتحولت إلى عمل مسلح محترف وألحق الفلسطينيون بمختلف فصائل مقاومتهم أذى عسكريا وأمنيا واقتصاديا بإسرائيل مقابل ثمن فادح دفعه الفلسطينيون: آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين مع شلل اقتصادي كامل، هذا فضلا عن أسر وسجن آلاف من أبناء الشعب الفلسطيني.

الصراع أصلا كان بين معتد ومعتدى عليه، لكن تدهور أحوال الأمة واختلاف كلمتها حوّلاه إلى صراع بين الفلسطينيين أنفسهم، فأصبح جزء منهم مقاوما، وجزء آخر ينشد السلام وينسق مع الإسرائيليين، والمشكلة ليست هنا، فهذا حصل مع شعوب في مراحل سابقة من التاريخ، إنما المشكلة عدم استثمار هذا الوضع بالشكل الذي يخدم فلسطين ويخفف الكوارث عن أبنائها.

والأولى أن يستثمروا هذا الاختلاف ويتفقوا على خطة وطنية شاملة ومدروسة تقوم على مرتكزين أساسيين: الأول أن اليهود اغتصبوا هذه الأرض من غير وجه حق ولا يغير من هذا الواقع أي ظرف محليا كان أو عالميا، أما المرتكز الآخر فهو الإدارة الحصيفة للصراع التي تقتضي تخفيف الخسائر إلى أقل مستوى ممكن. لذلك يجب أن يكون الوفاق الوطني مبنيا على أساس إدارة الصراع بصورة موضوعية.

فالفلسطينيون في حصار وإسرائيل تعيش مرتاحة في أفضل الظروف تساندها الدول الكبرى وتتفوق عسكريا على كل دول المنطقة، وتحقق أهدافها بقوة السلاح في وضح النهار.

ذكر الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخرا أن السلطة تنسق أمنيا مع الإسرائيليين لحماية الشعب الفلسطيني، وليس هذا من الأمور السرية، فالسلطة تنسق مع الإسرائيليين منذ سنوات طويلة، لكن المشكلة تكمن في كيفية استثمار هذا التنسيق وماذا يجني منه الفلسطينيون، فإذا كانت إسرائيل هي المستفيد الوحيد من هذا التنسيق فهذه جريمة، وعلى القادة الفلسطينيين مراجعة هذا الوضع، فما دامت السلطة تنسق مع الإسرائيليين فلا بد أن يحقق هذا التنسيق مصالح الفلسطينيين، أما أن يكون في مصلحة إسرائيل وحدها فتلك إدارة غير صحيحة للصراع وظلم للشعب الفلسطيني.

ولإظهار الحاجة لإعادة النظر في منهج المقاومة وتصحيح طريقة إدارة الصراع، نتوقف قليلا عند العملية الأخيرة لاختطاف المستوطنين الإسرائيليين في منطقة الخليل.

إن صح ما ذكره الإسرائيليون من أن المقاومة هي التي اختطفتهم فهذا نجاح للمقاومين ودرس للإسرائيليين، لكن العملية تحتاج إلى أن ننظر إليها من الصورة المكبرة، وأي تصرف في هذا الاتجاه يجب أن ينظر إلى عواقبه المختلفة، اختطفت إسرائيل منذ اختفاء المستوطنين الثلاثة قرابة 430 فلسطينيا في مقدمتهم رئيس البرلمان الفلسطيني مع 40 أسيرا محررا في إطار صفقة شاليط. هؤلاء الأسرى انتظروا عشرات السنين خلف القضبان وبعضهم محكوم بالمؤبدات، ولم يكن في الأفق ما يوحي بإمكانية حصولهم على الحرية. فرجوعهم إلى الأسر يعتبر خسارة كبيرة، وقد لا يجدون فرصة أخرى في الأفق القريب، لأن الوضع مختلف في الضفة الغربية التي يستحيل إجراء عملية تبادل فيها.

وحتى إذا فرضنا أنه تم تبادل الأسرى وأطلقت إسرائيل عددا من الأسرى الفلسطينيين فإنها ستعتقلهم مرة أخرى وستعاملهم بوحشية أكثر، عقابا لهم وللفصائل التي سعت إلى إخراجهم.

تحتاج المقاومة لبعض المقومات والمرتكزات لتتمكن من مواجهة العدو:

- أن تمتلك من قوة الردع ما يجعل العدو يدفع الثمن عند ضربه لها.

- وجود حيز جغرافي آمن يمكنها من التحرك بعيدا عن أعين العدو.

- أن تكون لها القدرة على ضرب العدو بطريقة متكافئة أو قريبا من ذلك، فإذا اغتال أحد قادتها مثلا، يكون بإمكانها الرد بالمثل.

- وجود سند سياسي قوي يدافع عنها في المحافل الدولية.

- أن يحتضنها بلد أو أكثر، ما يعزز قدرتها على التحرك الميداني.

هذه المقومات تكاد تكون معدومة بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، وذلك يحتم إدارة الصراع بالشكل الذي يناسب متطلبات الواقع، خاصة إذا وضعنا في عين الاعتبار التفوق التكنلوجي للإسرائيليين الذي يمكنهم دون أدنى مخاطرة من تحويل المقاومين إلى أشلاء خلال ثوان معدودة بمجرد ضغطة زر.

فالأمر ببساطة هو الاختلال البيّن في موازين القوى، فإذا لم يكن للمقاومة سند من الخلف وموقع جغرافي يسمح لها بالتحرك والتزود بالسلاح فلا معنى لمواجهة مباشرة مكشوفة مع عدو بيده كل الإمكانيات.

وأطرح هنا جملة مقترحات:

- تنظيم لقاء جامع للقيادات الفلسطينية من كافة الفصائل والشخصيات الاعتبارية المستقلة والوجهاء والشباب والمثقفين برعاية عربية وإسلامية على المستويين الشعبي والرسمي لتشخيص الوضع بصورة متأنية، والاتفاق على المنهج الأنسب لإدارة الصراع.

- تعرض نتائج هذا اللقاء على قمة عربية خاصة يحضرها طيف واسع من القيادات الشعبية والدعاة والمفكرين والمثقفين العرب والمسلمين وتتبناها بشكل رسمي.

- تشكل القمة العربية فريقا من القانونيين والسياسيين المتمرسين والقيادات الشعبية والشبابية لتكلفها ببحث الخطة مع الأمم المتحدة والدول الكبرى وإفادتهم بأن السلام يجب أن يكون للجميع والأمن من حق الجميع، فإن قبلوا وتعاونوا فمرحبا، وإلا تكون الخطة البديلة جاهزة وتعرض عليهم، ويمكن أن تركز على النقاط التالية:

- التلويح بتجميد العلاقات السياسية التي تربط إسرائيل ببعض الدول العربية أو قطعها أو ربما إلغاء المعاهدات المرتبطة بها.

- انضمام السلطة الفلسطينية إلى كل المنظمات الدولية وخاصة محكمة الجنايات الدولية تمهيدا لفتح المعركة القانونية مع الإسرائيليين.

- التحذير من إمكانية قيام ثورة فلسطينية شعبية جديدة تعيد الأمور إلى نقطة الصفر.