أحمد الهلالي

المساجد بين التعطيل والاحتكار!

الأربعاء - 21 سبتمبر 2016

Wed - 21 Sep 2016

كانت المساجد قديما مدارس وبعضها جامعات، تعقد فيها حلق العلوم الإسلامية والعربية (لغة وأدبا وتاريخا) وغيرها، فكانت تعج بالدارسين في كل الأوقات تحقيقا (لإعمارها)، وبلادنا المباركة اليوم تزدحم بالمساجد، ولله الحمد، وأيسر رقم وجدته أن عددها عام 2013م 94 ألف مسجد وجامع، لكن المؤسف أن هذا العدد الضخم واقع بين (التعطيل/ والاحتكار).



يأتي التعطيل من اقتصار المساجد والجوامع على (الصلاة) غالبا، إلا جوامع قليلة تلقى فيها دروس ومواعظ دينية، لإمامها أو لوعاظ مرخصين بالوعظ فيها في أوقات معلومة، حسب تنظيمات وزارة الشؤون الإسلامية، لكن في الوقت ذاته نجد عددا ضخما من المساجد مغلقا في غير وقت الصلاة، حتى مرافقه كالمكتبة ودورات المياه.



ويمتد التعطيل إلى المساجد والجوامع التي تقام فيها الدروس والمواعظ، فهي مقتصرة على الوعظ الديني، لا تجوزه إلى حياة الناس اليومية ومنافعهم، فغالبا لا تطرق هذه المواضيع إلا في خطب الجمعة، في حديث منمق من الخطيب لا يقبل النقاش والاستيضاح، فالمقام مقام أداء فريضة لا استفسارات وأسئلة.



أما الاحتكار، فيأتي من العرف القائم اجتماعيا، أن المساجد والجوامع لا يلقي الدروس فيها إلا فئة معينة، لهم لباس وهيئة تحددهم، فالواعظ والشيخ لا يكون إلا (مطوعا)، ولا تشترط المؤهلات ولا الدرجات العلمية ولا التخصصات، ففضيلته يستطيع التحدث في كل علوم الدنيا، ويستطيع توجيه الناس في شتى أمور حياتهم وكل شأن يمس حياة الفرد المسلم، وإن جاؤوا بمتخصص فمن ذات الفئة لا يخرج عن خطابهم أيضا. مع أن أكثر من ينادي بالاختصاص في هذا الكون هم (المطاوعة) فأي مسألة تحاول إبداء وجهة نظرك فيها، يبرز لك مباشرة مثال (الطبيب والميكانيكي...) وأهمية التخصص، وإن لم تقتنع؛ فأنت خائض مريب.



كثرت تعقيدات الحياة، وتضخمت المجتمعات، وتنامى العدد السكاني للبلاد، وتضاعفت مشاغل الناس، فأصبحوا في دوامة عملاقة موارة، وإن تنامى الوعي عند بعض الفئات المطلعة، إلا أن نطاقات واسعة من المجتمع لم يبلغها الوعي (الحقيقي) في قضايا كثيرة، منها أخطار المخدرات، والأمن الفكري، والتوعية الصحية، والتوعية الاجتماعية ضد العنف الأسري والاجتماعي، والإرهاب، والتوعية الاقتصادية، والتحفيز العلمي، والقضايا التربوية، ومفهوم المواطنة، والممتلكات العامة، والحقوق الوظيفية، وحقوق المستهلك، والسلامة المرورية، والسلامة المنزلية، وقضايا الهوية والحوار والآخر، واللغة، ومفاهيم وقضايا عدة لا حصر لها، وهذه القضايا ربما يتطرق إلى بعضها الخطباء والوعاظ، لكنهم غالبا يمسونها بطرائق ليست دقيقة كالمتخصصين، ربما تشوه بعض المفاهيم، أو توصلها منقوصة غير مقنعة.



من هنا لماذا لا تتوجه وزارة الشؤون الإسلامية إلى الخروج من هذا النسق (العرفي)، فتفك الاحتكار، وتفيد من المساجد لأداء دورها الاجتماعي، بتصميم برامج توعوية متخصصة تمس واقعنا بتفاصيله، يشارك فيها المتخصصون من الجهات الحكومية والخاصة، يوعون الناس باستمرار بحضور إمام المسجد، خاصة ومساجدنا مهيأة للدروس العلمية، وتحتاج وسائل بسيطة فقط للشرح والإيضاح، فتخيل 94 ألف مسجد تؤدي دورا توعويا مركزا يخرج الناس من فلك فهم الواعظ، فيبصرهم المتخصصون لا الوعاظ، فإن اجتهد الواعظ ووعى، فالقناعة عند المتلقي لم تصل، لافتقاره إلى تفاصيل وإجابات لا يعرفها إلا المتخصص، فليت الوزارة تسارع مأجورة.



[email protected]