شاهر النهاري

انضباطية المحلل السياسي وانزلاقه لأم الهاوية

الاثنين - 21 أغسطس 2023

Mon - 21 Aug 2023

تضج قنوات الإعلام بالمحللين السياسيين، يطرحون الرؤى، والنظريات، والاتهامات، والتخوين، ويزاولون التلميع، ويعملون على تجفيف بذور الخطورة، أو زرعها وسقايتها، لتصبح غابات من النظريات والمؤامرات، وكل له معاول وحبال وراحلة، ونوايا وطموح، ومحطات ظل، وعبور، وتقدم، وتقهقر، لا يشابهه فيها، إلا من زرعت قدماه، في ذات التربة، وأروي من نفس النبع، وتم تهذيب أغصانه بنفس المقصات.

النقد السياسي واجهة فكرية وطنية حساسة وفرض كفاية يقوم به أشخاص يفترض أن تكون لهم خلفيات وعي، وإمكانيات بيان وحضور، وصيغ نقدية لمواجهات إشهار خلافات علنية يدخلونها لتبيان مواقف دولهم أو تنظيماتهم السياسية، وإثبات مدى تأثيرها وتأثرها بالحراك السياسي المحلي والإقليمي والعالمي، وضمن توازن معرفة عميقة بالتاريخ والظروف، والخلفيات، وتنوع العقليات، ودهاء أو ضعف النقاد المنافسين.

وفي الغالبية العظمى يندر وجود الناقد السياسي الحر المتعمق الواعي العقلاني الصادق المعتدل بالكامل، كون الانزياح يحدث بالتوازي مع الأغراض والمحفزات والظروف وغمار التنافس، ومساحات الحرية.

البعض ينطلق من رؤية محلية وعصبية ضيقة، والبعض من معرفة عالمية أدركها بتتبع ومعايشة الأحداث وأصدائها، والبعض يدفعه موقعه ومدى تأثره بالتراث والمعارف، وسلوكه النفسي، أو الاجتماعي أو حماسه أو عنصريه لقضية يؤيدها، أو خضوعه لمركز قرار، أو تشرب جذور معارضة وجنوح أفكار.

البعض يأتي من خلفية أكاديمية، والبعض من عمق خبرة وتجربة، والبعض هجان يجرب ما يطول من أدوات بيان وفراسة، فيرتاح له أو ينبذه السامع بناء على مستوى القناعات بأهميته أو نقصها.

التحليل السياسي سلاح يشهر في وجه الطرف المضاد، لتبيان ضعف مواقفه وتكوين فجوات التناقض، وبما يظهر عوار التعميم، والعصبية والخبث، أو بخروج كلماته عن حدود الأخلاق، ومنافاتها لمعاني وفنيات التحليل السياسي المنطقي السليم.

النقد السياسي قوة ناعمة إذا ما أثبت مصداقيته، وكم يبعثر صفوف الخصوم ويخلط أوراقهم.

التحليل السياسي علم تشخيص أمراض الأوطان والقيادات والمواقف، بمصداقية استحضار مختلف صور الواقع وعيوبه، وهو فيروس قاتل إذا ضاقت حريته وزاغ وتتبع الغرور والتمرير، والكذب والتخيلات واستغل الميل والتعمية بتوظيف اللسانيات في مواجهة الحقائق الجلية.

وقد يصبح النقد السياسي نيرانا صديقة، تصيب القلب، بخداع الوعي العام، وأخذه إلى مناطق الجهل والتراخي، والطامة الكبرى لو وصل تخديره إلى فهم وقرارات وخطط القيادات العليا، وثالثة الأثافي لو استفاد من عيوبه الطرف المضاد، واكتسب مزيدا من الوعي لمواجهة أخطائه ومعالجتها، بمعرفة أكبر وأكثر ثباتا، بينما يتفاقم ضعف الطرف المغرور المستكين بالركون لمخادع الثقة والتراخي.

المحلل السياسي الصادق الأمين في نقل جميع الصور والاحتمالات، قد لا تطيقه السياسة الضعيفة الباحثة عن لمعة الصورة الخارجية، وعن سلطة وهيمنة شكلية، وسرعان ما يتم تحييده، والبحث عن ناقد ببغائي مطيع، يبدع في ترويج الكذبات والتمويه.

وتلك بعض صور البروباجاندا، التي تخلق التناقضات السياسية الذابحة للواقع، والتي قد تنفخ ريش الطاووس، وتصيب الأعين بغبش الرمد، وتخلخل قدرة الوعي، بإتقان رقص الناقد على السلالم، ضمن إيقاع طبلة الغرور، ومهما حاول ضبط نشاز الخطوات بعبثية التحولات، وإذكاء أعواد نيران تتعاظم أسباب خلافاتها لبلوغ درجات الحروب، بأن يجر المحلل السياسي خلفه أمة ووطن وحكومة، وهو بأطماعه الشخصية لا يعود يدرك، بأنه يقودهم لأم الهاوية.

shaheralnahari@