شاهر النهاري

قسرية مجتمعات الطائرات الوقتية

الاثنين - 07 أغسطس 2023

Mon - 07 Aug 2023

مجتمعات الطائرات متعددة متنوعة، فرضتها سنوات العولمة والتقدم والديناميكية على البشرية في القرية الكونية الصغيرة، التي لا يعود لأحد الخيار الكامل فيها.

مجتمع مؤقت، الطارئ قسري، ففي دقائق يجد الإنسان نفسه ينتظم بين مئات من الركاب كالجند على كراسي الطائرة، وكل يختلس النظر للآخرين، متفحصا، يحاول التغلب على وحشة أنه غير محمي من عوالم فوبيا العيش بين الوجوه الغريبة والتأقلم بينها، ومحاولة البقاء على حدود كرسيه الضيق، لا يفصله عنهم إلا ذراع وسطي لا يعلم هل سيحوزه، أم يتركه للراكب الذي بجواره، حسب معطيات العمر والحجم والجنس، ودقائق الفروق.

مجتمع مسايرة مؤقت، يطول ويقصر، وحسب اتجاه الرحلة، وتعدد توقفاتها، وقرب الفرد أو بعده من النافذة، صامت مستأنس مهجن، تعجزه لحظات اليقين، بدماغ مجبر على الرضا بواقع أنه جزء من كيان عظيم، يعجز عن الانفصال عنه، ولو بالتقصي، وسؤال كل شخص حوله عن اسمه وبلده وحكايته وهدفه، وأحواله وطبيعته، أمسالم أم متمرد؟، أو صديق للعجب، فربما أن أحدهم مجرم أو مختل يحلم بفتح باب الطوارئ، أو يحاول الانتحار، وربما يكون مستهترا يصر على التدخين بدورة المياه، أو أنه عبثي تفوق زبالته الجيوب.

مجتمع قسري ليس للفرد فيه خيار تقليل صراخ الأطفال، أو حركة المتسابقين في الممرات، أو إعادة ترتيب فوضى الكراسي، وتطهير دورة المياه الذي فعل من قبله فيها الأفاعيل، وهل سيبحث عنه ويعاتبه، أو يرفع شكوى؟.

مجتمع طارئ فيه عفش يفوق المساحات، وركاب مسيرون بما لهم من حقوق، وفيه طيار مسيطر لا يمكن مناقشته حتى لو أدخل الجميع في كارثة.

مجتمع فيه مضيفون، يحاولون فرض أوامرهم وتوزيع بعض المفرحات بعجلة، وابتسامات شبه كرتونية، وتقنين مسافات، قد تتعارض العادات فيها مع كينونة القيود والشروط.

مجتمع نظام يظل راكبه يهوجس بمن حوله، فماذا لو كان أحدهم إرهابي، وماذا لو كان بينهم فيلسوف نائم، أو عالم أو نجم أو موظف واسطة كبيرة، وكيف سيتمكن خلال فترة الرحلة البسيطة من التعرف على غايته، وهل تعارف الطائرة يدوم، أم إنه مجرد ثرثرة نزع لثام الخوف، وإذابة سحب الطريق، وتجميل الذات وترطيب عصبية الجلسة القسرية، بفؤاد مربوط على شاهق، زهرة مغروسة وسط مشتل كبير، تنال الماء والطعام، وتكمل مشوارها إلى سوق الحياة.

مجتمع الطائرة العصري صامت بالغالب، وغامض بالعموم، وليس للمضطر إلا أن ينسى تفحص الأجزاء الصغيرة، وأن ينسى.

بعض الضجرين يهربون للنوم، والأثرياء يولون وجوههم للدرجة الأولى، حيلة هروب شكلي، عن تعقيدات ذلك المجتمع الملتصق، المتوحد في المصير، والبعض يكون أكثر قدرة، فيتجه للطائرات الخاصة، ومجتمعها المنكمش مع أنه أكثر خطورة على الكرة الأرضية، والبشرية، ينذر بارتفاع درجات حرارة الغلاف الجوي، مع تعاظم أعداد محركات الطائرات الصغيرة، يتجول فيها الأغنياء بإفراط أنانية، واستهانة بتأثيراتها السيئة، على الأرض والبحار، والغلاف الجوي، وضمن حلم يتجدد بمجتمع طائرة أصغر، يلمون بغالب خفايا من يشاركهم وحشتهم فيه.

قبل مائة عام، لو تجمع مئات من البشر في حيز صغير مغلق مثل حجم الطائرة، فلا بد أنهم عبيد مكبلون، لا يملكون إلا الخنوع والاستسلام للذل والقيد وترقب المجهول.

shaheralnahari@