البيئة ونزوح الكائنات والبشر
الاثنين - 17 يوليو 2023
Mon - 17 Jul 2023
لم تتوقف الكائنات يوما عن الهجرة من مكان مداري، إلى مدارات أرطب وأرحب، وبيئة منعمة آمنة، وقبل أن تعكس مسارها وتعود حنينا إلى بيئة هجرتها.
لكل مدار بيئة وعيوب نسبية، وحيل التأقلم تتكرر على انحناءات الكرة الأرضية، ففي فوح الصيف، يرتحل الثري إلى مكان بارد أخضر، ابتعادا عن بيئة ناشفة منهكة قاسية.
هجرة بشرية مؤقتة للقادرين المرفهين، ولكنها غير ذلك عند من زحفت الرمال إلى أعينهم وأحشائهم، وغارت مياههم، وتعسرت لقمتهم، لدرجة تجشم التضحية بأنفسهم للهجرة حافيين، مخترقين سياسات الحدود، كما رفوف الكائنات الحية، ولكنهم عند الشطآن يفتقدون الجناح ومراسيم ممرات سالكة آمنة، والغربة ذل للمعدمين الحالمين المترنحين تحت الشموس، يفترشون الأرصفة والشواطئ، التي تغدو مواخير اغتصاب وعبودية ومخدرات وإتجار بالبشر، وطمع في حلم مركب نوح متهالك رجيع منفوخ بالوهم، يتكتل فوقه دود المهاجرين، بوهم مسارات شطوط الأمل، أو الطفو غرقا بين زبد الأمواج، فلا تكتشف الأشلاء إلا وهي تنكص مسارها، عائدة إلى شطوط الخوف.
البيئة تقسو، وكثير يضحون ويعقدون العزم على هزيمتها، والعالم يعرف أنها ليست مجرد بيئة، ولكن غريزة البشر تحن لعوامل معيشة التخلف وسرعان ما يتمددون ويستبيحون الفراغات، ويصبحون سوء بيئة بذاتهم، يحتالون، ويتكتلون في عنصرية وعصابات تتعاون على تكسير قوانين البيئة الجديدة، وليس لكل فرد حرية ونية البقاء المسالم، فتنقلب حياتهم تكتلات وعنصرية، وبث معتقدات، وإرهاب وتكفير مجتمعات أهدتهم الأمن واللقمة والشربة.
شقاء الكائنات يتكرر كل سنة للرحيل بين القطبين، ولكن وجهة الإنسان المسحوق تختلف، فهو يتجه شمالا، وإن تمكن فلا يعود، إلا على جناح زيارة خاطفة، يستدعي فيها أهله وأحبته للهجرة معه ولو بتكسير القوانين، ثم لا يلبث أن يعيد بناء نفس بيئة مجتمعه القديم، في مداره الجديد، بكل عيوبه وخرافاته ومعتقداته وعاداته وتقاليده، وسياساته المخرومة، ليصيب مجتمعات منطقة الهجرة بذات اختلالات البيئة الفاسدة، التي هرب منها بداية.
الدول الأوروبية كانت تفتح أبوابها للمهاجرين، بشعارات الحرية، والحقوق الإنسانية، وصور من الجماليات لم تعد تثبت في عصرنا.
شتات معظم دول الغرب اليوم يدعو للعجب، وفرنسا مثلا، أصبح تقدمها وديمقراطيتها على المحك، ومجتمعاتها الأصلية مجبرة على استيعاب همجية المهاجرين، وحسرات اختلافاتهم، فتضطر لنحر قوانينها المتحضرة لتتناسب مع مهاجري وجع الجنوب الأرضي، بادعاء القدرة واحتواء الاختلافات، بينما تتهتك المعاني والقيم والأسس السياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والعدلية والحقوقية في أعين حضاراتهم.
دول الغرب اكتشفت مؤخرا أن هجرات الجنوب البشرية ليست مفيدة ولا رجعية مثل هجرات بقية الكائنات، وأنه لا بد لهم من التأقلم مع القادمين، والتكفل بعيشهم، وتغيير أنظمتهم، والإخلال بالتعليم، واحتضان العجزة والصغار، ولو أن كل ذلك يستمر بالتغيير الشاذ، كون المهاجر يسعى نظريا لحياة وبيئة نظيفة، ولكنه أيضا يحن لقذارة وفوضى الماضي، ولا يقبل تغيير حاله، ولا عاداته ومعتقداته، فيصيب الشارع الغربي بالفوضى وسرطانية التكاثر الأعمى، ما يمنع الحضارات المتقدمة من الاستمرار كما كانت، وما يجبرها على التردي لنفس اختلالات وفوضى أرض وبيئة المهاجرين.
مسارات، فهل يجبر الإنسان الغربي على هجرة شمالية هو الآخر، ولو إلى المريخ، ليحافظ على بعض ما صنعه وطوره في ماضيه، ومما حطمته الهجرات؟
shaheralnahari@
لكل مدار بيئة وعيوب نسبية، وحيل التأقلم تتكرر على انحناءات الكرة الأرضية، ففي فوح الصيف، يرتحل الثري إلى مكان بارد أخضر، ابتعادا عن بيئة ناشفة منهكة قاسية.
هجرة بشرية مؤقتة للقادرين المرفهين، ولكنها غير ذلك عند من زحفت الرمال إلى أعينهم وأحشائهم، وغارت مياههم، وتعسرت لقمتهم، لدرجة تجشم التضحية بأنفسهم للهجرة حافيين، مخترقين سياسات الحدود، كما رفوف الكائنات الحية، ولكنهم عند الشطآن يفتقدون الجناح ومراسيم ممرات سالكة آمنة، والغربة ذل للمعدمين الحالمين المترنحين تحت الشموس، يفترشون الأرصفة والشواطئ، التي تغدو مواخير اغتصاب وعبودية ومخدرات وإتجار بالبشر، وطمع في حلم مركب نوح متهالك رجيع منفوخ بالوهم، يتكتل فوقه دود المهاجرين، بوهم مسارات شطوط الأمل، أو الطفو غرقا بين زبد الأمواج، فلا تكتشف الأشلاء إلا وهي تنكص مسارها، عائدة إلى شطوط الخوف.
البيئة تقسو، وكثير يضحون ويعقدون العزم على هزيمتها، والعالم يعرف أنها ليست مجرد بيئة، ولكن غريزة البشر تحن لعوامل معيشة التخلف وسرعان ما يتمددون ويستبيحون الفراغات، ويصبحون سوء بيئة بذاتهم، يحتالون، ويتكتلون في عنصرية وعصابات تتعاون على تكسير قوانين البيئة الجديدة، وليس لكل فرد حرية ونية البقاء المسالم، فتنقلب حياتهم تكتلات وعنصرية، وبث معتقدات، وإرهاب وتكفير مجتمعات أهدتهم الأمن واللقمة والشربة.
شقاء الكائنات يتكرر كل سنة للرحيل بين القطبين، ولكن وجهة الإنسان المسحوق تختلف، فهو يتجه شمالا، وإن تمكن فلا يعود، إلا على جناح زيارة خاطفة، يستدعي فيها أهله وأحبته للهجرة معه ولو بتكسير القوانين، ثم لا يلبث أن يعيد بناء نفس بيئة مجتمعه القديم، في مداره الجديد، بكل عيوبه وخرافاته ومعتقداته وعاداته وتقاليده، وسياساته المخرومة، ليصيب مجتمعات منطقة الهجرة بذات اختلالات البيئة الفاسدة، التي هرب منها بداية.
الدول الأوروبية كانت تفتح أبوابها للمهاجرين، بشعارات الحرية، والحقوق الإنسانية، وصور من الجماليات لم تعد تثبت في عصرنا.
شتات معظم دول الغرب اليوم يدعو للعجب، وفرنسا مثلا، أصبح تقدمها وديمقراطيتها على المحك، ومجتمعاتها الأصلية مجبرة على استيعاب همجية المهاجرين، وحسرات اختلافاتهم، فتضطر لنحر قوانينها المتحضرة لتتناسب مع مهاجري وجع الجنوب الأرضي، بادعاء القدرة واحتواء الاختلافات، بينما تتهتك المعاني والقيم والأسس السياسية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والعدلية والحقوقية في أعين حضاراتهم.
دول الغرب اكتشفت مؤخرا أن هجرات الجنوب البشرية ليست مفيدة ولا رجعية مثل هجرات بقية الكائنات، وأنه لا بد لهم من التأقلم مع القادمين، والتكفل بعيشهم، وتغيير أنظمتهم، والإخلال بالتعليم، واحتضان العجزة والصغار، ولو أن كل ذلك يستمر بالتغيير الشاذ، كون المهاجر يسعى نظريا لحياة وبيئة نظيفة، ولكنه أيضا يحن لقذارة وفوضى الماضي، ولا يقبل تغيير حاله، ولا عاداته ومعتقداته، فيصيب الشارع الغربي بالفوضى وسرطانية التكاثر الأعمى، ما يمنع الحضارات المتقدمة من الاستمرار كما كانت، وما يجبرها على التردي لنفس اختلالات وفوضى أرض وبيئة المهاجرين.
مسارات، فهل يجبر الإنسان الغربي على هجرة شمالية هو الآخر، ولو إلى المريخ، ليحافظ على بعض ما صنعه وطوره في ماضيه، ومما حطمته الهجرات؟
shaheralnahari@