فهد إبراهيم المقحم

مقبرة تقنية المعلومات!

الثلاثاء - 23 مايو 2023

Tue - 23 May 2023

في كل مرة يأتي الحديث عن مشروع تطوير نظام تخطيط الموارد المؤسسية (Enterprise Resource Planning – ERP System) يراود المنظومة شيء من القلق حيال أمور عدة، منها: التكلفة الباهظة، والمدة الزمنية الطويلة، وإرهاق فرق العمل بالاجتماعات والاختبارات الوظيفية، وتأخر المشروع أو فشله. هذا القلق ليس بأمر مستغرب، ولا ملامة على أصحاب القرار في ترددهم لما يرونه من فشل متكرر لمثل هذه المشاريع هنا وهناك!

تعود جذور أنظمة (ERP) إلى الستينيات الميلادية حين قامت شركة (J.I. Case) المتخصصة في صناعة آلات البناء، بالتعاون مع شركة (IBM) العريقة في مجال تقنية المعلومات، بتطوير نظام لتخطيط متطلبات المواد (Material Requirements Planning – MRP System)؛ بهدف إدارة الاحتياجات من مواد الخام. وبعد نجاح التجربة، سرعان ما انتشرت الممارسة بين الشركات المصنعة لتقوم كل شركة بتطوير نظام مماثل يلبي احتياجاتها ومتطلباتها.

وفي الثمانينيات الميلادية، ظهرت حقبة جديدة من هذا النظام (Manufacturing Resource Planning - MRP II system) ليشمل وظائف أخرى تتم في مراحل التصنيع، مثل متابعة الإنتاج والتخزين والتوزيع.

وفي التسعينيات الميلادية، ظهر لأول مرة مصطلح نظام تخطيط الموارد المؤسسية (ERP)، عن طريق شركة الأبحاث والاستشارات في مجال تقنية المعلومات (Gartner)، ليأخذ مفهوما أوسع في تخطيط وإدارة عمليات وإجراءات أخرى للمنظمة، مثل الموارد البشرية والمالية والمشتريات وغيرها. حينها تسابقت العديد من الشركات التقنية في إصدار أنظمة (ERP) جاهزة وشاملة يمكن للمنظمات استخدامها، بعد تطويعها وفق أنظمتها ولوائحها وتوجهاتها الاستراتيجية.

وفي عام 2000، أطلقت (Gartner) مرحلة جديدة من تطوير أنظمة تخطيط الموارد المؤسسية (ERP II) توظف خدمات الإنترنت والحوسبة السحابية في جمع البيانات وتخزينها، وتشمل عمليات وخدمات أخرى في المنظمة تحت نظام واحد، مثل إدارة علاقات العملاء (CRM)، والتجارة الالكترونية (E-commerce)، وإدارة سلاسل الإمداد (SCM).

لئن كانت البداية والانطلاقة من رحم المصانع، إلا أنه اليوم لا غنى لأي منظمة عن تبني نظام لها لتخطيط وإدارة الموارد المؤسسية

(ERP)، سعيا لتحسين عملياتها وإجراءاتها، ورفعا لمستوى إنفاقها ومخرجاتها؛ لكن تطوير مثل هذا النظام يجب أن يبنى على منهجية صحيحة ومحكمة، وإلا عاد على المنظمة بالويل والثبور.

في عام 2007، واجهت شركة لإدارة النفايات (Waste Management Inc) صدمة كبرى حين فحصت نظام (ERP) الخاص بها بعد تطوير دام سنتين؛ إذ ما رأته لا يتطابق مطلقا مع ما أرادت، فوظائف النظام لا تتسق مع عمليات وإجراءات الشركة على أرض الواقع! وهي نتيجة حتمية حين تخطئ الجهات في اختيار الشريك التقني الأمثل، وتهمل في توثيق مطلباتها بشكل جيد والتحقق من جودة مخرجات مراحل المشروع، ولذا قامت الشركة برفع دعوى قضائية للتعويض بقيمة 500 مليون دولار أمريكي ضد الشركة المطورة للنظام.

وفي عام 2012، قررت شركة (National Grid)، وهي من الشركات الكبرى في مجال تقديم خدمات الكهرباء والغاز، تطوير نظام (ERP) موحد ليضم كافة عملياتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد رصدت للمشروع نحو 600 مليون دولار أمريكي، إلا أن فريق المشروع اصطدم بعقبات متتالية، وبعد طول معاناة، أعلن الفريق جاهزية النظام استنادا لاختبارات قام بها؛ لكن النظام لم يصمد كثيرا بعد إطلاقه، فانهار مسببا خسائر فادحة للشركة! يرجح المختصون أن السبب الرئيس وراء فشل المشروع هو اختيار فريق التنفيذ «المسار السعيد» لاختبار النظام، والذي تضمن ظروفا مثالية، دون اعتبار للظروف المختلفة والحالات الطارئة.

وضعت شركة (Nike) هدفا لترقية نظام (ERP) الخاص بها بتكلفة 400 مليون دولار أمريكي ضمن توسعها الاستراتيجي لأعمالها ومبيعاتها، لكن النتيجة كانت عكسية، إذ تسبب النظام الجديد في خسارة 100 مليون دولار أمريكي في المبيعات، مما أدى إلى انخفاض 20% من القيمة السوقية لأسهمها؛ لقد بالغت الشركة في تفاؤلها، ورسمت لها طريقا بعيدا عن المعطيات الواقعية والاحتياجات الحقيقية لنموها الاستراتيجي.

وما هذه إلا أمثلة لمشاريع باءت بالفشل بعد طول معاناة وخسائر فادحة؛ لكن يجب ألا يكون هذا الفشل سببا لإحجام الجهات عن تطوير نظام (ERP) خاص بها، فهناك بالمقابل نماذج متميزة نجحت في تطوير نظامها والاستفادة المثلى من خدماته. وعلى الصعيد الشخصي عاصرت بعضا من هذه المشاريع الناجحة، والتي اتخذت على عاتقها توفير أسباب هذا النجاح -بعد توفيق الله-، ومن تلك الأسباب:

- الاطلاع على تجارب مماثلة وتدوين الدروس المستفادة.

- وجود سياسات وعمليات وإجراءات موثقة ومعتمدة، مع تحديد المسؤوليات والصلاحيات.

- تحديد واضح ومفصل لنطاق العمل وأهدافه.

- اختيار الحل التقني الأمثل للجهة، فلكل جهة ظروفها ومتطلباتها.

- اختيار الشريك التقني الأمثل للتنفيذ.

- اختيار فريق متميز للمشروع، وضبط للمهام وعمليات الاتصال.

- التخطيط الجيد والفعال، والاستفادة من الرشاقة في التنفيذ والتفعيل من خلال تقسيم المشروع إلى مراحل.

- الاتفاق على آلية واضحة ورشيقة لجمع المتطلبات وتوثيقها واعتمادها.

- مراعاة السلاسة وسهولة الاستخدام.

- الاختبارات الوظيفية والأمنية الجيدة والشاملة.

- التدريب الجيد للمستفيدين من خلال ورش العمل والأدلة والدعم الفني المباشر.

- ضمان استمرارية الأعمال، والقدرة على استيعاب المستجدات ومقترحات التحسين.

- إدارة فاعلة للتغيير والمخاطر.

- الرصد والتوثيق لكافة عمليات التنفيذ والتطوير.

لن تقف أنظمة تخطيط الموارد المؤسسية (ERP) إلى ما وصلت إليه، فهي ستتأثر كغيرها بالتقنيات الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي (AI)، وإنترنت الأشياء (IoT). فمثلا، يمكن الاستفادة من تقنيات تعلم الآلة (Machine Learning) في تحليل البيانات الضخمة لتقليص الأعمال اليدوية، وكشف المخالفات، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية. لكن يجب أن نعلم أن التقنية ممكنة وفاعلة لمن أحسن اختيارها، وأجاد في تنفيذها، واستثمر ما يحتاج من إمكاناتها؛ ومن أخفق في تحقيق ذلك، تجرع مرارة ويلاتها!

moqhim@