هتون أجواد الفاسي

وغاب عنا وسم وشمس الدكتورة وسمية المنصور

الخميس - 18 مايو 2023

Thu - 18 May 2023

وهي في كامل صحتها وعافيتها، غادرتنا الأستاذة الدكتورة وسمية عبدالمحسن المنصور إلى جوار ربها بعد أن أنهت صيام وقيام رمضان، فتركت في قلوبنا لوعة عليها ونحن بعد كنا نتبادل معها ماتع الحديث في بيت أ.د. سعاد المانع العامر قبل رمضان، حيث أتحفتنا بالكثير عن ذكرياتها في القاهرة والكويت كما هي دوما تجمع لنا بين توثيق الحاضر والماضي بشكل مميز مرتبط بطريقتها المشوقة في الأخذ بلب الحاضرات. لكن هي الحياة، ولابد أن نتقبل سماع هذه الأنباء المحزنة التي هي جزء من حياتنا على الأرض، حيث لا دائم إلا وجه الله.

وارتباط أم أوس بالأكاديميات والمجتمع السعودي وثيق الصلة ويعود إلى فترة الثمانينيات وعام 1987 بالتحديد عندما انتقلت من جامعة الكويت لتنضم إلى زوجها أ.د. أبو أوس إبراهيم الشمسان في الرياض، رفيق دربها والدراسة التي جمعتهما في جامعة القاهرة خلال السبعينيات الميلادية. فحظيت على الفور بقلوب طالباتها وزميلاتها في قسم اللغة العربية الذي لم يكن يبعد كثيرا عن قسم التاريخ في جامعة الملك سعود بعليشة بحضورها الآسر، ومواضيعها المتجددة في طرح قضايا اللغة العربية غير التقليدية. وقد ازدادت هذه العلاقة حميمية بعد حرب الكويت والتقارب الإنساني والتاريخي الذي غلف علاقة السعوديين بالكويتيين. وبلغت درجة عالية من التآلف والتكامل عندما انضمت إلى مؤسستنا المدنية الوليدة "الملتقى الأحدي" في 1414 الذي أسسته عدد من أستاذات قسم التاريخ في القسم حيث نلتقي أكاديميا خارج أسوار الجامعة في بيوتنا مع استضافة محاضرة شهريا وفق جدول سنوي. ونظرا لجدة البدايات، فقد وافقت الدكتورة وسمية أن تكون أول محاضرة في هذا الملتقى والذي استضفته في بيتي في 6 شعبان 1414، 17 يناير 1994، فكانت خير بداية وأقواها والتي أسست لمسيرة طويلة استمرت لمدة ربع قرن وحتى عام 1439/2018 توسعت خلالها قاعدته ومؤسساته ونشاطاته. وقد كان لنا الشرف أن نكرمها في الدورة الثانية لتكريم الرائدات والتي كانت عام 1437/2017. وقد كان حدثا مؤثرا اجتمعت فيه الدكتورة وسمية مع كل من جمعية زهرة لمكافحة سرطان الثدي والسيدة فوزية الهاني الناشطة في العمل الاجتماعي والدكتورة فوزية البكر تحت إشراف مؤسسة هن التي رعت إدارة الملتقى خلال السنوات الثلاثة الأخيرة. وتقوم آلية التكريم على أن تتولى كل من العضوات المؤسسات مهمة تقديم المكرمة وإدارة حوار معها قبل أن تسلم درع الملتقى الأحدي الرمزي. وقد كانت مقدّمة الدكتورة وسمية هي الكاتبة المبدعة أميمة الخميس، التي كانت قد تخرجت من تحت يديها في الثمانينيات والتي ارتجلت مقدمة باهرة بامتياز تتناسب مع شخصية وإبداع د. وسمية واستحقاقها، بدأته من الوسمي ودلالاته الأدبية والتراثية لتجعل الوسمية تنهمر علينا جمالا وإبداعا. كنت محظوظة باسترجاعي ذلك الشريط الثمين عندما نقبت في بعض الفيديوهات التي حفظتها لتوثيق هذه اللحظات والتي قدرتها دكتورة وسمية كثيرا نظرا لافتقادها لأي شيء مسجل يوثق فترة تدريسها وعملها في جامعتنا وأقسامها النسائية المغلقة بالطبع، فكانت سعيدة جدا بتقديمي هذا الفيديو لها وترافق مع اللوحة التي تم رسمها باليد والممهورة بخطاب تكريمنا. ثم أكرمتنا هي بعرض تقديمي استعرضت فيه مسيرتها العلمية والنشاطية والعملية ما بين العواصم الثلاثة، الكويت والقاهرة والرياض كانت في غاية الإثارة للحماس والسؤال. كان في عرضها تاريخ طويل من قوة المواقف وحساسية الظروف وصلابة الشخصية واعتزازها الكامل بهويتها بكل أبعادها لاسيما بهويتها الكويتية التي تمسكت بها طيلة هذه السنين رغم أنه السعودية كانت وطنها كذلك، لكنها كانت تعتبر أن الجنسية قدر لا يمكن للإنسان تغييره أو استبداله.

المشتركات مع دكتورة وسمية كثيرة ومشتركاتها مع كل فرد منا، نحن الوسط الأكاديمي في الرياض، متعددة بدورها ومتشعبة. كان هناك ثراء في شخصيتها ولها حضورها الطاغي على أي مكان تكون فيه، يبدأ من صوتها الجهوري الخطابي وانتهاء بابتسامتها الصبوحة وما بين ذلك مضامين عميقة لأي موضوع تتناوله. كانت تتقن فن تحويل القضايا اللغوية المعقدة إلى قصص ممتعة وثرية كذلك مع الاستطراد بين القصص التاريخية والمعاصرة تتنقل بينها بكل رشاقة اللغة التي كانت مزيجا من العربية الفصحى مع الكويتية الراقية.

كانت آخر اجتماعاتنا مساء تناولت الكتاب التذكاري الذي وضعته لزوجها مع أبنائها وكل عائلته وأصدقائه. كانت فخورة به وبالمقدمة التي كتبتها وسجلت فيها تاريخها مع أبي أوس، وكذلك بالبحث المهم الذي ختمت به الكتاب الضخم في سيرة زوجها ومسيرته والذي كان بعنوان "الخوف في سياقات قصة موسى في القرآن الكريم، مثيراته وتأثيراته" تستعرض في دروس معرفية وإيمانية من خلال التكثيف اللغوي والإِشارات الإيحائية في هذه القصة لم تطرق من قبل. ومن ثم تم توزيع نسخ منه ومن عدد أخرى من كتب أبي أوس وهي سعيدة بإنجازاته التي لا تقل عن إنجازاتها العلمية. كانت لفتاتها تفيض بالحب والاعتزاز التي لا تجعلنا إلا أن نبادلها إياها بمثلها وبأكثر.

ولا يسعني إلا أن أقول رحم الله صاحبة السن المبتسم واللغة الجذلى والقلب الكبير، الدكتورة وسمية المنصور.