زيد الفضيل

الاستدامة المالية للجامعات: كتاب مهم

السبت - 13 مايو 2023

Sat - 13 May 2023

خلص الأكاديمي الدكتور عبدالله صادق دحلان في كتابه المهم الذي وسمه بعنوان «الاستدامة المالية للجامعات»، وهو عنوان أخال أن الضرورة قد فرضته، كما يعكس ما تحتاجه الجامعات الحكومية والخاصة لتقوم بواجباتها على أكمل وجه، وبجودة وكفاءة علمية عالية؛ خلص إلى عدد من المقترحات الرامية إلى تطوير نظام الاستدامة في تمويل الجامعات السعودية دون الإخلال بأهدافها، حيث ذكر بتفصيل عدد من الأفكار منها: أهمية التدرج في خصخصة التعليم العالي مع الأخذ في الاعتبار زيادة حجم مقدراته الاستثمارية، وتكثيف الدور الإشرافي والرقابي عليه من قبل الدوائر الحكومية حتى لا يختل دوره الوظيفي وغاياته العلمية؛ كذلك أشار إلى أهمية الاستثمار الوقفي والذي يعد من أنجح النظم المالية في تمويل الجامعات العالمية؛ واقترح أن يتم تحويل الجامعات الربحية إلى شركات مساهمة؛ وأن يتم تفعيل الشراكات بين القطاع الخاص والكوادر التعليمية في الجامعات في مختلف التخصصات المدرجة، بحيث تصبح الجامعات كبيت خبرة يتم الاستعانة بدراساتها وأفكارها لتطوير الأعمال وحل المشكلات الناجمة؛ وفي هذا السياق يؤكد الدكتور الدحلان في مقترحاته على أهمية تعيين مستشارين متخصصين في مجال الاستثمار لدعم التحول إلى جامعات منتجة؛ كما يطرح فكرة مهمة أخرى تقضي بتفعيل دور النظام المصرفي السعودي في نظام التعليم العالي، حيث يقدم النظام المصرفي في العديد من الدول المتقدمة خدماته للطلاب بشكل ميسر لتمويل مصروفات دراستهم، كما يقدم التمويل للجامعات في صور متنوعة كالتمويل العقاري، وتمويل المشاريع والإقراض القائم على الأصول، وغيرها.

وبخصوص سبل ترشيد الإنفاق طرح الدكتور دحلان عددا من المقترحات من قبيل: تخفيف البيروقراطية في النظام الإداري والتعليمي، واستخدام البدائل التعليمية، والاشتراك بين الجامعات في تكاليف الأساتذة الوافدين، وزيادة مقدار الشفافية حال تقييم التكاليف وإعلانها بما يؤدي إلى معرفة مكامن الخلل ويساهم في توجيه الإنفاق في الإطار الصحيح؛ وأخيرا شدد على وجوب النظر في التجارب العالمية في إيجاد وتنويع مصادر التمويل والاستفادة منها، وهو أمر أفرد له الدكتور عبدالله دحلان مساحة واسعة في كتابه، حيث تحدث باستفاضة عن جامعة هارفرد، وجامعة ستانفورد، وجامعة أكسفورد، وجامعة كامبريدج، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT).

ذلك باختصار بعض ما طرحه الدكتور دحلان في كتابه الذي أرى بألا سبيل لتجاوزه لمن أراد البحث الجاد في موضوع توفير سبل الاستدامة المالية للتعليم بوجه عام والتعليم العالي بشكل خاص، لاسيما إذا أدركنا أنه قد صدر عن شخصية لا تقوم بالتنظير من خلف المقاعد الوثيرة، وإنما عن رجل مهموم بالعمل المعرفي والأكاديمي، فهو وعلاوة على انتمائه لأسرة علمية ممتدة، فقد عمل بعد تخرجه في السلك الأكاديمي، ثم راهن على الاستثمار فيه عبر مشاريعه التعليمية المتنوعة والتي على رأسها جامعة متخصصة في الأعمال والتكنولوجيا. وهو ما يجعل لقوله أهمية خاصة، لاسيما وأن موضوع التمويل المالي بات مؤرقا لكثير من الجامعات الخاصة، والحكومية أيضا، في ظل توجه المملكة لنظام الخصخصة الذي ابتدأ بثلاث جامعات كبيرة مؤخرا.

يبقى التذكير بأن الخصخصة قد تكون مفيدة وبناءة إذا تم التوجه لها بشكل صحيح ومنظم، وبفكر شمولي يهدف إلى توسيع دائرة الاستفادة العلمية وتقديم الخدمة لكل من يستحق علميا، فهم الأحوج بالمساعدة، ولا خوف على من يقدر ماليا؛ ولذلك وجب التنبه إلى إيجاد مصادر التمويل الوافية التي تتوجه لخدمة الطلاب المتميزين من الشريحة الأضعف اقتصاديا، فهم من يجب أن يدعموا، وهم من يجب أن يتوجه التمويل لإتاحة الفرصة الكاملة لهم ليحصلوا على تعليم نوعي متقدم.

هذا الأمر يستدعي أن تتوجه وزارة التعليم بشقيها العام والعالي إلى تطوير مقدراتها التعليمية بالاستفادة من نظام الوقف، لتحقق القدر الأكبر من التوازي بين ما تقدمه من خدمة علمية ووظيفية ولوجستية وما يقدمه التعليم الخاص. وحين بلوغ ذلك نكون قد وضعنا أقدامنا على أول الطريق الصحيح لتطوير التعليم والاستفادة من مخرجاته بالشكل المتقدم.

أختم بالتذكير بأن الصحة والتعليم حق لكل أحد، ولا يجب أن يكون هناك فرق في خدماتهما، أو تمايز بحسب الملاءة المالية، فالكل سواء أمام المعرفة والعافية من كل سوء، وهو ما يقرره ديننا الحنيف قبل وثيقة حقوق الإنسان، بل وكانت عليه حضارتنا العربية المسلمة حال قيادتها للعالم في وقت مضى. فهل إلى ذلك سبيل يا وزير التعليم واقعا وتنفيذا؟

zash113@