زيد الفضيل

الحرب على المخدرات حرب على الشيطان

السبت - 06 مايو 2023

Sat - 06 May 2023

أعلنت وزارة الداخلية السعودية مؤخرا خطة أمنية شاملة تستمر لعدة أشهر لمحاربة آفة المخدرات ومكافحة تأثيراتها السلبية المدمرة، وبخاصة مع ظهور مادة الشبو أو الكريستال الأبيض الذي يعد آفة الآفات، وغاية ما يصبو إليه إبليس الرجيم في حربه للإنسان وسعيه للقضاء عليه؛ لاسيما وأن نتائجه تنعكس مباشرة وبشكل موحش على بنية الأسرة والمجتمع، وما نراه من قتل وحرق وذبح لأقرب الناس دليل على خطورة هذه المادة بجملتها، ويقينا فإذا لم نواجه الأمر متحدين على الصعيد المجتمعي والوطني والإقليمي والدولي، فإننا سنقع في مهلكة ليس بعدها مهلكة، ولن يبقى أحد بمأمن، وسيخشى الأب من ابنه، والأخ من أخيه، والقريب من قريبه، والصديق من صديقه، وما أسوأها من حياة!؟

لقد عملت بريطانيا على الاستقواء بالأفيون وفرضت سيطرتها الاقتصادية والسياسية على الصين، وحين أراد الإمبراطور الصيني حماية شعبه أعلنت الحرب عليه فيما عرف تاريخيا بحرب الأفيون.

ثم كان أن توالى زيادة مساحة المخدرات لتشمل أنواعا متنوعة منها الكوكائين والهروين وصولا إلى حبوب الكبتاجون ومثيلاته، على أنها جميعها كانت ولم تزل مدمرة للفرد، منهية حياته، محولة شخصه إلى حيوان هزيل فاقد للوعي والأهلية، وربما يضطر إلى السرقة وافتعال الجريمة من أجل أن يحصل على مبلغ يشتري به هدوءه كما يظن، بل إن كثيرا من النساء قد باعوا أنفسهن رقيقا لتجار المخدرات وامتهنَّ الدعارة، وراج بينهن تجارة البشر بسبب تعاطيهن للمخدر القاتل.

كل ذلك كان قاصرا عند حدود الفرد ولا يتعداه إلى الآخر إلا في مواضع معينة، لكن مع ظهور مادة الشبو بات الأمر مختلفا، حيث تعمد المادة إلى تحويل الفرد المتعاطي إلى سكين متحرك يذبح ويحرق ويقتل أقرب الناس إليه دون وعي، ليس بغرض المال، وليس بغرض الاستلاب، وإنما تصورا منه أنه عدوه، وهل هناك شيء أفظع من ذلك!؟

لذلك وجب أن يعلن العالم السوي حربه الكونية على المخدرات، وقناعتي أن ذلك لن يتأتى إلا بثلاث خطوات وهي: الخطوة الأمنية، والخطوة الإصلاحية، والخطوة الإرشادية، التي مهم أن يتم إنجازها متحدة على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي.

في هذا السياق فنحن على الصعيد الوطني قد بدأنا خطوتنا الأولى الشاملة بإعلان وزارة الداخلية بكافة قطاعاتها الحرب على المخدرات، بدعم وتوجيه من سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -يحفظه الله-؛ على أننا نحتاج إلى الاهتمام بتنفيذ الخطوتين التاليتين لينجح عمل الخطوة الأولى بصورة يقينية، ونعلن الانتصار الحاسم والكلي على آفة المخدرات، وأقصد بهما خطوة إصلاح الأنظمة وتعزيز بنيتها، وخطوة متابعة الإرشاد في مختلف الجهات التعليمية والإعلامية وغيرها، تبصيرا وتعريفا بخفايا سبل وحبائل الشيطان في نشر المخدرات بين الشباب بخاصة.

نحن في حاجة إلى تعزيز منظومة القيم في داخل كل موظف مدني وعسكري ولاسيما من يعمل في جهاز مكافحة المخدرات وبقية الأجهزة الأمنية المساعدة، وهو ما سيكون له دوره الفاعل في محاربة تجار المخدرات، لكونهم ينطلقون من مسؤولية أخلاقية، فلا تضعف نفوسهم إزاء المغريات المادية التي يمكن أن تعرض عليهم من قبل مافيا المخدرات والاتجار بالبشر؛ على أن ذلك لا يستقيم إذا لم يعطوا مرتبات مجزية ومكافآت كبيرة لتسد ثلمة يمكن أن يدخل منها الشيطان وأتباعه، فما يكسر الإنسان إلا حاجته المادية وبخاصة إذا كانت متعلقة ببيته وأسرته.

ولنتذكر أن هؤلاء الجنود الأشاوس يقفون على ثغرة يباع الكيلو فيها بمئات الآلاف من العملة الصعبة.

ويمتد الإصلاح إلى دائرة الأحكام الصادرة من الجهات القضائية التي أرجو أن تنظر بعين المسؤولية إزاء الشباب الصغير السن المقبوض عليهم بتهمة التعاطي أو تهمة بيع أعداد محدودة جدا، فلا تقوم بزجهم في السجون وفقا لما لديهم من مادة عقابية، فالسجن ليس حلا، بل هو تكريس لسلوك وقع فيه أولئك بالخطأ ولظروف خاصة.

ويقينا فإن العقوبات البديلة بالرضوخ للعلاج أولا، والتقويم النفسي ثانيا، والحكم بالعمل في قطاعات صحية مثلا، أولى من السجن بقرب من أهلكهم من قبل.

وإن لزم إجراء عقوبة السجن فأرجو تخصيص إيواء خاص باستقبال أولئك مع تكثيف العلاج البدني والنفسي لهم، وتوعيتهم ببرامج مختلفة، ليخرجوا صالحين، متجاوزين ما وقعوا فيه ضحية لظروف خاصة.

إنه رجاء أضعه بعين النظر أمام سمو وزير الداخلية ومعالي وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى ومعالي النائب العام، فالوطن أمانة وأبناؤنا مسؤولية.

zash113@