زيد الفضيل

أدونيس وعام الشعر العربي

السبت - 25 مارس 2023

Sat - 25 Mar 2023

حين رأيت الاحتفاء بشخص الشاعر العربي السوري علي أحمد أسبر «أدونيس» في المملكة العربية السعودية، تذكرت تلك المقولة الخالدة لشكسبير، والتي أعرفها بصوت الممثل الكبير الراحل يوسف وهبي وهو يقول: «وما الدنيا إلا مسرح كبير».

حقا هي مسرح حقيقي يمكن أن ترى على منصتها كثيرا من الأحداث الثابتة والمتحولة. وأحدها ما رأيته في الأيام الماضية من حضور أحد أبرز شخوص الحداثة الأدبية والفكرية في عالمنا العربي، وأعني به «أدونيس» الذي شغلت أطروحاته حيزا كبيرا في ثنايا مسرحنا الثقافي، وبات نقطة مفصلية للتجاذب الحاد بين مؤيد ومعارض.

جاء حضور «أدونيس» ولأول مرة في حياته داخل المملكة العربية السعودية، استجابة لدعوة من «أكاديمية الشعر العربي»، التي نظمت له عددا من اللقاءات العامة، فكانت فرصة للمثقف السعودي أن يلتقيه وجها لوجه، ويسمع منه مباشرة، سواء كان متفقا أو مختلفا معه، ولعمري فهذه إحدى سمات التحول الثقافي التي نعيشها بفضل رؤية حكيمة، ومتطلعة للارتقاء بحرية مسؤولة، بقيادة أمير شاب واسع الشغف، كبير الطموح، وهو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان يحفظه الله.

على أن التحول وأراه إيجابيا، لم يكن قاصرا على سمتنا الثقافي وحسب، بل شمل بظلاله «أدونيس» ذاته، الذي وحين سألته قائلا: بعد هذا العمر الحفي بالأفكار، والمليء بالحوار والنقاش المحتدم، ترى ما الذي بقي ثابتا في أدونيس؟ وما الذي تحول في فكره وتجربته؟

طرحت عليه سؤالي وفي ذهني أفكار كثيرة رسخت عنه، لاسيما في طرحه الحداثي القائم على فكرة القطيعة المعرفية مع الموروث جملة، حيث لا ثابت يقيني يركن إليه، والتي شكلت نقطة اختلاف جوهرية بينه وبين مخالفيه.

لكنه في إجابته كان غير الذي تصورت، حيث أبدى تمسكا بثابت يجب ألا يتزعزع وهو ثابت الدين، ودعا إلى العودة لقراءة موروث المدرسة العقلية في حضارتنا العربية المسلمة بوعي وإدراك، مستشهدا بموضوعية ما كتبه أبو العلاء المعري عما كتبه دانتي لاحقا، الذي كان واضحا حضور ذاته السوداوية في نصه المقتبس من رسالة الغفران لأبي العلاء المعري، في الوقت الذي اتسمت رؤية أبي العلاء بالموضوعية؛ كما كشف عن أهمية جانب التراث الروحي في موروثنا الثقافي، وأهمية إعادة استنطاقه من جديد في وعينا العربي المعاصر، بهدف بناء حداثتنا التي نريدها.

أخذ يطنب في إجابته، وأخذت أموج في ذاكرتي، وكأني بالمفكر العربي المسلم الإمام الرازي وهو يقول من بعد رحلة واسعة من الحوار والنقاش الجدلي: «رجعت إلى إيمان العجائز». على أن قيمة ما ذكره «أدونيس» تكمن في مضمون ما طرحه عديد من المنتمين للمدرسة العقلية في تراثنا، الذين نادوا بأهمية صناعة جسر العبور -وفق تعبير المفكر الإيراني عبد الكريم سروش- للربط بين أفكار علماء أنوار الحضارة العربية المسلمة وواقعنا الحداثي الصحيح، وهو أشد ما نحتاج إليه اليوم لنكون متوافقين مع سياقنا المعرفي، وليس سياق غيرنا، وأقصد هنا الحداثة الغربية، وهو ما أشرت إليه مرارا، وآخرها في مقالي عبر هذه الصحيفة «التراث وجسر العبور للمستقبل».

في جانب آخر أجد من واجبي أن أشيد بجهود «أكاديمية الشعر العربي» بإشراف أمير الشعر والبيان خالد الفيصل -يحفظه الله-، وإدارة أكاديمي حصيف وهو الدكتور منصور ابن الأديب الكبير الدكتور محمد مريسي الحارثي، الذي كان أحد شخوص المرحلة في الحقبة التي ثار النقاش فيها حول أطروحات أدونيس والمقالح على الصعيد العربي، والغذامي والسريحي وغيرهم من شخوص الحداثة على الصعيد المحلي.

ولعلي أهمس إليهم وإلى الجمعية السعودية للثقافة والفنون ومؤسسة أدب وغيرهم من الجهات الراعية للنشاط الشعري لأن يهتموا أكثر بتسليط الضوء مهرجانيا على زاويتين في الشعر العربي: الأولى، تتعلق بالتعريف بأبرز شعراء الجزيرة العربية قبل الإسلام ولاسيما أصحاب المعلقات وبعض الشخصيات النبيلة من شعراء الصعاليك، وأبرز من تلاهم من الشعراء العرب في العهد الأموي والعباسي. أما الزاوية الثانية، فتتعلق بالتعريف برواد الحركة الأدبية في وطننا ممن أثروا الساحة بأدبهم ومنطوقهم الشعري وهم كثر جدا، وللأسف فكثير من شبابنا لا يعرفهم. إن هاتين الزاويتين هما أشد ما نحتاج إلى تكثيفه في عام الشعر العربي، وأرجو أن أرى ندوات عمن ذكرت وغيرهم، يتم فيها إلقاء بعض قصائدهم، وتعريف الشباب بهم بشكل مبسط وسهل.

تلك هي الرسالة التي أرادت بلوغها وزارة الثقافة حين أعلنت هذا العام عاما للشعر العربي، فهل تقوم المؤسسات الثقافية بربط الأجيال بعضها ببعض؟ وتسهم في تعريف النشء بمن مضى من جيل الرواد السعوديين والشعراء العرب من قبلهم؟ أرجو ذلك، ورمضان كريم.

zash113@