سارة مطر

أنا ورئيستي الأجنبية

السبت - 18 مارس 2023

Sat - 18 Mar 2023

توظفت وأنا في عمر صغير، ولم أكن أحب وظيفتي، كنت أكرهها، كنت أشعر بأني في سجن، كانت رئيستي في العمل ـ غفر الله لها ـ من جنسية أجنبية، وكانت صعبة جدا لدرجة أنها وضعت أمامي ورقة أكتب فيها متى خرجت، ومتى تناولت غدائي، ومتى قمت بالصلاة.

المحرج في الأمر أنها كتبت لي كم مرة ذهبت إلى الحمام، كان الأمر محرجا بالنسبة لي، وكنت أعامل بقوة وكنت أحيانا أرفض بعض الأعمال التي لا تخص عملي، وكان هذا يغضبها وكنت أعلم أنني سأتلقى تقريرا سيئا، لكني كنت متأكدة أن ما طلبته مني ليس من صميم عملي، كنت أشعر دوما أنني مسجونة، وعادة نحن العرب أصواتنا عالية، وكان هذا يغضبها جدا، ولم أكن أعرف كيف أسعدها، حتى قررت أن أعمل دون أن أفكر فيها.

وكنت في عمر صغير، حيث تخرجت في سن مبكرة، مما استدعى أن أدرس وأحصل على شهادة بكالوريوس أخرى في مملكة البحرين، وكانت درجاتي عالية، وحينما حصلت على الشهادة الثانية ردت علي رئيسة القسم قائلة لي: إنها لن تحسبها ولن أحصل على ترقية، المشكلة أنني لم أرفع صوتي، لم أذهب إلى الموارد البشرية، كنت أتعامل في العمل وكأني سجينة، حتى أذكر مرة جئت مبكرة إلى عملي نصف ساعة، والرئيس الطبيعي سيبتهج أن موظفه مهتم بوظيفته ويأتي مبكرا.

في منتصف يوم العمل، وكان يوما شاقا جدا، فقد كان العمل شديد الصعوبة، طلبت مني أن أجلس معها، وأخبرتني وهي ترفع أصبعها، وللمرة الأولى في حياتي، وفي ذلك العمر الصغير، مددت يدي وأنزلت يدها، قلت لها نظام العمل يمنع أي موظف يرفع أصبعه في وجه موظفه، الغريبة أن وجهها أحمر بشكل لافت، وقلت نعم: هل هناك تقصير مني؟ قالت لي وهي تنفخ، مبروك عليك شهادة البكالوريوس الثانية، وعلي أن أخبركم كيف حصلت عليها طالما أنا أعمل من الساعة السابعة إلى الرابعة عصرا، قد علمت في ذلك الوقت أن جامعة البحرين قررت أن تكون الدراسة صباحا ومساء، وطرت من الفرح، تحدثت مع والدي ووافق تماما أن أدرس في البحرين، وكنت أعتبرها أجمل أيام حياتي، وكنت أنتهي من الجامعة في العاشرة مساء، كنت أخرج من العمل، وفي السيارة التي تقلني عبر جسر الملك فهد أبدأ في المذاكرة بكل جد، حتى إنني بعد أن تخرجت كتبت كتابا عبارة عن مذكرات اسمه «أنا سنية وأنت شيعي – مذكرات طالبة سعودية في جامعة البحرين»، وحصلت على درجات عالية، رغم ذلك رفضت رئيسة العمل الأجنبية أن أتلقى ترقية بسبب حصولي على الشهادة، رغم أن زملائي في الأقسام الثانية بعيدا عن المستشفى، حصلوا على ترقية دون استثناء، الوحيدة التي لم تحصل على الترقية هي أنا!

العمل الذي كنت أعمل به، كان في شركة عظيمة وكبيرة وتعتبر من أفضل الشركات في العمل، لكني كنت أعمل إدارية في إدارة المستشفى الخاصة بالشركة، وكنت السعودية الوحيدة التي أعمل في القسم، فقد كان جميع الموظفين من جنسيات مختلفة، وكانت الرئيسة تعاملهم معاملة جليلة وطيبة ولطيفة إلا أنا.

بعد فترة من الزمن قبل أن تنتقل إلى رحمة الله، قالت كلمة حق: لقد ظلمت سارة أشد الظلم، كنت أعتقد أن العرب كسولين ولا يفهمون وقليلي الذكاء، طبعا يبدو أنها لم تقابل امرأة سعودية أو سعوديا! قيل لي إنها تلوم نفسها على ما فعلته بي.

أحيانا أفكر فيها، أفكر فيها بكره كبير، كانت قاسية ولم أكن أدافع عن نفسي، بعد أن ذهبت روحها إلى السماء، لا أعرف لماذا شعرت بالراحة، رغم أنها قبل أن تموت تركت الشركة لانتهاء عقدها، ولم تجلس في بلدها سوى ستة أشهر وتوسدت الأرض.

بعدها جاءني عرض من الشركة نفسها ولكن خارج المستشفى، كان الجميع مندهشين من انتظامي، من عملي الدؤوب وحصلت بسرعة على ترقية، وكان رئيسي في العمل سعوديا، وكان الجميع دون استثناء يسألون عن همتي في العمل، وعن الدقة في كل شيء يسلم إلي، ويعود إليهم كاملا دون نقصان.

كنت أود أن أقول لهم: إنها السبب.. هي من صنعت مني جنديا لا يستطيع أن يقول لا!

كنت صغيرة وعانيت بشدة في العمل، إذا رن الهاتف أكثر من مرتين، فيعني ذلك أن أتلقى عقابا شديدا، بالتأكيد كنت أفكر في ترك الشركة آلاف المرات، لكني كنت مؤمنة أنه سيأتي اليوم الذي أنتقل فيه إلى عمل آخر، يستطيع أن يقدر ما أقوم به.