ياسر عمر سندي

سبورة الطباشير وغرفة الفيران

الأربعاء - 15 مارس 2023

Wed - 15 Mar 2023

ونحن على عتبات بداية الفصل الدراسي الثالث والأخير لهذا العام 2023 ومن خلال ملاحظاتي واستقرائي للوضع الدراسي للفصلين السابقين وجدت أن سلوكيات الطلاب في المراحل الأولية والإعدادية يعتريها الكثير من اللامبالاة وعدم الاهتمام، مثل البعد عن التحضير والمراجعة والتراخي في إنجاز الواجبات اليومية والفروض المدرسية والتصريح بثقل التكاليف وأعباء الأنشطة المطلوبة والتكاسل في الذهاب للمدرسة ناهيك عن الشعور المتدني بأهمية التعليم.

للحظات رجعت بذاكرتي للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة لنهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية؛ واستحضرت ما كان يقوم به أساتذتنا الأفاضل جزاهم الله عنا خيرا على اختلاف تخصصاتهم ومهامهم ببذلهم قصارى جهودهم لإيصال المعلومات والتأكد من فهمنا العام وفي المقابل حرصنا واجتهادنا كطلاب على التنافس الشريف فيما بيننا وعلى اختلاف شرائحنا الدراسية ومستوياتنا الاستيعابية نستشعر الرهبة والرغبة التعليمية في المعلم والمدرسة.

ما أتذكره آنذاك هو صدى صوت المعلم المرتفع والقادم من جنبات الفصول الدراسية المختلفة بعبارة متكررة «المشاغب واللي ما يحل الواجب وما يحفظ يدخل غرفة الفيران».

هذه الجملة تحمل في طياتها رهابا وهميا صحيا حيث كنا لا نعرف من تلك الغرفة سوى بابها الخارجي وما خلفه مبهم وسر لا يعلمه سوى الإداريين والفراشين آنذاك.

أجده دعما وتحفيزا غير مباشرا للطلاب لبذل المزيد من الاهتمام التعليمي في تقديم الواجبات المدرسية وكذلك أسلوبا تربويا ارتبط شرطيا بالضبط والتعديل السلوكي إذا تجاوز أحد الطلاب حدوده الأدبية والأخلاقية مثل الشغب والعبث أثناء الدرس وبين الحصص.

غرفة الفيران الوهمية في تقديري أسهمت كثيرا في إحداث التعزيز لدى جيل سبورة الطباشير الأكثر سهولة في تقبلهم لمجريات الأحداث بقناعاتهم المتواضعة آنذاك، حيث كانت تشبعهم بساطة الألعاب البدائية للتسلية مع حرصهم على العلم والتعلم ناهيك عن حالات الاستنفار الأسري والمدرسي في تهيئة الطلاب أثناء الاختبارات وذلك الشغف في التجهيز المسبق لاستقبال العام الدراسي الجديد.

برأيي لا يبدو المشهد مثلما كان سابقا بل مختلفا تماما وعلى النقيض في جيل غرفة الألعاب والسبورة الذكية والتقنيات الحديثة والمساحات الممتلئة بما لذ وطاب من وسائل الترفيه والبرامج التواصلية المتنوعة والتي يراها طلاب اليوم مملة وغير مجدية لا تشبعهم نفسيا ولا ماديا ولا تقديريا في تقبلهم لرمزية العلم المدرسة والمعلم.

وسائل الرهاب الوهمي الماضية أسهمت في إعلاء الهمة الكامنة والخفية للطلاب؛ أما جيل اليوم انقلب حاله وتبلدت أحواله ونراها جليا إذا ما استخدمت وسيلة الحرمان التقني بمنعهم من الأجهزة التواصلية المحمولة واللوحية أو قطع الشبكات وحجب الاتصالات فإنهم يعتبرونه تصريحا معلنا بالتنمر ورهابا اجتماعيا قاسيا عليهم.

همسة في أذن الزمان: كلما زادت التقنيات تعقدت التعاملات وتبدلت السلوكيات وازدادت الطلبات وكثرت الالتزامات.

وقل للزمان ارجع يا زمان لسبورة الطباشير وغرفة الفيران.