عبدالله العولقي

التعليم.. أيقونة النهضة الاقتصادية

الأربعاء - 15 مارس 2023

Wed - 15 Mar 2023

خلال القرن العشرين تطورت نماذج التعليم في العالم بصورة مدهشة، وأضحت نظم التعليم الحديثة تختلف جذريا عن النظم القديمة والتي كانت تعتمد على نمطية الحفظ والتلقين المجرد، أما النظم الحديثة فقد اعتمدت على التفكير أولا وإثارة التساؤل في ذهنية الطالب وتنمية مهارات الإبداع والابتكار في نفوس التلاميذ، مع تنمية مهارة الحفظ طبعا، فالحفظ ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها في العملية التعليمية.

لا شك أن دخول التكنولوجيا في العملية التعليمية قد منحها بعدا نوعيا في التقدم والازدهار، ولعل التعليم عن بعد أحد ثمار ذلك والذي أظهر ريادته النوعية إبان جائحة كورونا، حيث أصبحت العملية التعليمية مستمرة ولم تنقطع بسبب الحظر الاجتماعي وتداعيات الجائحة.

من القصص التي تروى حول نهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة اليابان المريرة، أن قائد الجيش الأمريكي ماك آرثر حضر إلى طوكيو لتوقيع وثيقة استسلام اليابان، وعندها سأله الإمبراطور الياباني هيروهيتو عن سبب تفوق الولايات المتحدة وهزيمتها لليابان، فرد القائد بأن ذلك يعود لإمكانيات الجيش الأمريكي المتفوقة، إلا أن الإمبراطور سرعان ما أجابه بأن ذلك غير صحيح، السر في التعليم، التعليم في الولايات المتحدة متقدم عن اليابان، ولهذا ستكون خطتنا المستقبلية تطوير نظم التعليم اليابانية، وبالفعل حققت اليابان بعد ذلك معجزة اقتصادية بفضل التعليم!!

فكرة المقال واتتني بعد وصول الهند هذا العام إلى المرتبة الاقتصادية الخامسة عالميا، وتفوقها على اقتصاديات دول رائدة كفرنسا وبريطانيا، ولا شك أن الفضل يعود إلى التعليم، فالهند جغرافيا واسعة يعتنق شعبها أكثر من 200 ديانة ويتكلمون بأكثر من 400 لغة، وقد عانى الهنود في القرون الماضية من الحروب الطائفية والاقتتال الداخلي نتيجة لهذا التنوع الرهيب في المجتمع الهندي، إلا أن تطور النظام التعليمي في الهند خلال العقود الأخيرة كان علامة فارقة في تضئيل المشاكل الداخلية بين فئات المجتمع وإحداث ثورة تنويرية في بنية العقل الذهني مما أدى إلى تقدم الهند اقتصاديا لتصل إلى هذه المرتبة الاقتصادية المتقدمة عالميا.

تعتمد الهند كثيرا على تحويلات جالياتها المختلفة حول العالم، ولكن يظل هنود أمريكا علامة فارقة ورقما مميزا داخل الاقتصاد الهندي، فهذه الجالية تتميز بالتعليم النوعي والمتميز في مجال تكنولوجيا المعلومات، وهم يمثلون 25% من الهنود المغتربين، وهم المورد البشري الأساسي لوادي السليكون الأمريكي، وقد حققوا نجاحات مبهرة في قيادة شركات التقنية العملاقة كفيس بوك وتويتر وقوقل وآبل وأمازون بالإضافة إلى شركات أمريكية أخرى!!

الصين أيضا تقدمت بفضل اهتمامها الشديد بالتعليم، ففي دراسة أجراها معهد السياسات الاستراتيجية الأسترالي وجدت أن من بين 44 مجالا تكنولوجيا تحرز الصين المرتبة الأولى في 37% منها والولايات المتحدة المرتبة الثانية، وهذا يدل على ريادتها النوعية في مجال التقنية، أما التعليم الجامعي فلا تزال الولايات المتحدة هي الأفضل عالميا بلا منازع نظرا للاستقلالية التي تتمتع بها تلك الجامعات بعيدا عن كوابح البيروقراطية، بالإضافة إلى البيئة التعليمية المحفزة للأبحاث والدراسات والابتكار الإبداعي، ولهذا فأغلب حائزي جائزة نوبل هم أساتذة في الجامعات الأمريكية، كما تجدر الإشارة إلى أن أمريكا وصراعها التجاري المحتد مع الصين لا تزال عاجزة عن إخراج مصانعها العملاقة من شانغهاي الصينية، ليس لرخص العمالة الصينية فحسب وإنما لأن تلك العمالة تتمتع بقدر كبير من التعليم المهني المحترف والمؤسس على مهارة التكنولوجيا.

وخلاصة القول أن الصراعات الاقتصادية والتجارية العالمية يقف وراءها سباق تنافسي دولي حول تطوير نظم التعليم، فكل نهضة اقتصادية تقف خلفها نهضة تعليمية.