زيد الفضيل

جدة: أزمة تخطيط وحاجة تنظيم

السبت - 21 يناير 2023

Sat - 21 Jan 2023

تعيش مدينة جدة أزمة خانقة في المرور جراء الكثافة السكانية أولا، وكثرة المركبات السيارة، وانعدام وسائل مواصلات عامة تفي باحتياجات الناس بصورة ميسرة، كباصات واسعة بمسارات خاصة بها، أو قطار المدينة بحركته المتفرعة ليشمل كل الأرجاء والأحياء.

على أن الكثافة السكانية وكثرة المركبات السيارة ليست هي الإشكال، وليست السبب في وجود حالة الاختناق، وبخاصة في فترات الذروة التي باتت تشكل ساعات طويلة من اليوم، إذ من الطبيعي إحصائيا أن يزداد عدد السكان، وأن يزيد عدد المركبات السيارة، لكن من غير الطبيعي ألا يتم حساب ذلك تنظيما حال التخطيط الكلي لتوسع المدينة من قبل أمانة بلديتها. لذلك فالجهات الهندسية وقيادات أمانة جدة هي المسؤولة عن هذا الاختناق، لكونهم قد راكموا الخلل عبر سنوات حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه، وأخشى أننا لا نزال في ذات السياق مستمرين.

كم يخيفني هذا الارتياب؟! لاسيما وأنني وغيري نعيش صباح مساء أزمة خانقة لم يعد لرجال المرور الذين أوجه لهم التحية والإكبار قدرة على حلها، فماذا يعمل المرور في شارع لا يكبر ولا يتوسع، في الوقت الذي تسمح الأمانة بتوسيع وتكبير كل شيء محيط به دون تخطيط وإدراك؟

أشير مثلا إلى الحي الذي أقطنه ويقطنه آلاف غيري من الطبقة المتوسطة من أكاديميين وصحفيين وأطباء وموظفي دولة وقطاع خاص وغيرهم، هذا الحي لم يمض عليه سوى عشر سنوات فقط، وكان في ابتدائه مثاليا، ثم صار أقرب إلى الأحياء الشعبية، وليس له سوى منفذين صغيرين أحدهما شمالا إلى شارع حراء، والآخر جنوبا إلى شارع ابن باز، ومحصور بسوء تخطيط من جهة الشرق فلا منفذ له إلى طريق الحرمين، ومحصور بحكم الواقع من جهة الغرب، وخلال عام واحد فقط تم بناء آلاف الوحدات السكنية الإضافية في المساحة الغربية منه، ولا أعرف بعد إشغالها كيف سيكون الحال حين الدخول والخروج؟!، فإن كنا في محشر اليوم، فكيف سيكون غدا؟ وكل ذلك راجع إلى سوء تخطيط أمانة جدة، والله المستعان.

في جانب آخر أشير إلى أزمة أخرى صار مجتمعنا يشهدها بقوة، وباتت تسبب احتقانا غير محمود، وسببها في هذه المرة راجع إلى ارتفاع سقف قانون «مُلاك» الصادر عن وزارة الإسكان، حيث تنامى بناء آلاف البنايات المحدودة الطوابق والتي تضم بين جنباتها تسع وحدات سكنية متوسطة إلى ثماني عشرة وحدة سكنية صغيرة، وغالبا ما يكون ملاكها من ذوي الدخول المتوسطة إلى الأعلى قليلا، الذين لا يجدون الوقت والقدرة على المعرفة القانونية بـ«نظام ملكية الوحدات العقارية وفرزها وإدارتها» الصادر عن «ملاك» بوزارة الإسكان.

وبالتالي يفتقدون إلى الكيفية القانونية التي تنظم العلاقة بينهم من حيث المتطلبات المالية المتوجبة على كل وحدة عقارية لضمان سلامة المبنى ومتابعة صيانته بشكل سليم. ونتيجة لذلك يتهاون بعض ملاك الوحدات العقارية في دفع ما يتوجب عليهم ماليا، مما يسبب إشكالا كبيرا يؤدي إلى تردي البناية يوما بعد يوم، والمتضرر في نهاية المطاف الملتزم من الملاك، علاوة على البناية بأكملها.

لقد جاءت الأنظمة لتخفف عن الناس وتحمي الملتزمين الذين يحترمونها، ومن هنا يمكن فهم الفقرة الأولى من المادة 12 التي تنص بالقول: (إذا بلغ عدد ملاك الوحدات العقارية المفرزة في عقار مشترك ثلاثا فأكثر؛ فعليهم أن يؤسسوا جمعية بينهم لإدارة شؤون ذلك العقار، وتسجيل تلك الجمعية لدى الهيئة)؛ وتحفظي على الجملة الأخيرة التي تشير إلى تسجيل جمعيتهم في الهيئة، وهو أمر قد يتعذر على جميع الفئات المالكة، لاسيما وأن النظام يجعل الأمر اختياريا في حال كان عدد الوحدات أقل من عشر، أو كان عدد الملاك أقل من خمسة.

ولذلك أرجو من وزارة الإسكان أن تصدر أمرها القاضي بأن أي بناية محدودة الوحدات العقارية بما لا يزيد عن عشر، وتكون مملوكة من قبل أعضاء متعددين، فإن تضامنهم الجمعي لترتيب شؤونهم وتحديد مبالغ خاصة بالصيانة وتسديد أجور الخدمات، يكون ملزما لهم قانونا وأخلاقا، وأن أي تهاون متعمد من قبل أحدهم في الالتزام بما يتضامنون عليه يعرض القائم بذلك للمساءلة القانونية.

هكذا قرار بسيط، ودون فرض أي التزام لتسجيل الجمعية العمومية في نظام «ملاك»، ستكون له فوائده الجمة، وسيخفف العبء على وزارة الإسكان، ويحقق المراد والغاية.

أختم بالقول بأننا نعيش أزمة تخطيط، وأننا بحاجة إلى تنظيم مرن ودقيق وحاسم، وأننا يمكن أن نكون الأفضل، ونحتاج إلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتفعيل قانون المحاسبة. وأؤمن بأن ذلك قادم في ظل رؤية حكيمة وحاسمة بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.

zash113@