خضر عطاف المعيدي

ما لا تمنحه الدرجة العلمية

الأربعاء - 30 نوفمبر 2022

Wed - 30 Nov 2022

وكم منجب في تلقي الدروس

تلقى الحياة فلم ينجب

- شوقي

هناك اعتقاد سائد بين الناس أن الدرجة العلمية والشهادة والمعرفة تزّف صاحبها نحو السلوك النخبوي وتسهم بصقل أخلاق الناس، ولكن الحقيقة عكس ذلك، فالكتاب المدرسي والجامعي يعج بمعلومات وتنظير عميق يصل للدماغ لكنه لا يصل للسلوك، وذاك لأن المعرفة أمر عقلي أمّا السلوك فأمر حركي تفاعلي.

للأسف نجد فجوة -بل هوة عظيمة- ما بين العلم وواقع الحياة، فمن ينظر لحال الشوارع وجدران بعض المنازل وطاولات وجدران بعض المدارس في الدول العربية يعلم أن التعليم الذي في الكتاب لا ينعكس في جدول الحياة الصافي. لذلك لا تصدم إن التقيت بحامل دكتوراه لا يجيد الوقوف في طابور الانتظار أو حاملة دكتوراه لا تجيد من السلوك سوى تفريش أسنانها كل صباح -إن وجد- ولا تعرف أبجديات لغة التواضع للمجتمع ولا تفقه كيف تجنب أبناءها الأجهزة الالكترونية التي تضر ببصرهم وسمعهم وأخلاقهم بحجة أنها تريد الهدوء فالضرر لأبنائها يكف الإزعاج في محيطها.

لا تصدم إن التقيت بحامل درجة الماجستير أو دكتوراه وهو لا يحمل في قلبه حسن النظافة التي لا يؤذي بها غيره كالتخلص من النفايات في الطريق، أو إن وجدته يمضي ثلثي وقته ويده تتقلب في جواله حتى في أبسط جلساته مع أسرته على شاطئ البحر ناسيا السلوك الخاطئ الذي ينقله لأبنائه دون أن يشعر من ثم ينصح (غاندي زمانه) أبناءه عن سوء الجوال وتطبيقاته.

لا تصدم من حاملة بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه لا تفقه من مكتسبات السلوك ما يمنعها من أن تخاطر بحياتها لتعديل أنف أقام الله جماله لها، ومن حشو فراغات بجسدها بلدائن ومن تكسير عظام وتحطيم مفاصل ونحت وردم وسد وغيرها من سبل السعي لسد فجو «عقدة النقص» التي لم يسدها نور العلم ولم تسدها القناعة بما وهبها الله، ولعلي أسرد في هذا المقام ما ذكره الدكتور مالتز -أحد أشهر أطباء جراحة التجميل في العالم وصاحب الكتاب الجميل: Psych-Cybernetics حيث ذكر بأنه وفي كل عملية تجميل وتعديل يجريها على النساء تأتيه المرأة مرة أخرى لتجري عملية أخرى لنفس الموضع لأنها لم تقتنع بجمالها بعد ولذلك قال قولته الشهيرة: «دماغ المرأة بحاجة ماسة لعمليات تجميل أكثر من جسدها».

والسؤال: أين الكتب ونور العلم عن مثل هذه السلوكيات المضرة بالصحة والمجتمع؟ أين الدرجة العلمية التي تمنع صاحبها وصاحبتها من الولوج في دهاليز سوء السلوك؟ والجواب: إن الشهادة -للبعض- ماهي اإلا مجرد حبر على ورق وجواز مرور من مرحلة لمرحلة بنفس العقل ونفس السلوك ونفس الذات والذي تغير هو وجود اللقب قبل اسمه لا أكثر.

فحينما لا يرفعك علمك وشهادتك عن حضيض السلوك، فانت مجرد وعاء لمعرفة فسدت بالركود وعدم الحركة والتطور ونماء السلوك، حينما لا ينزهك علمك عن سفاسف السلوكيات، فانت مجرد ناقل للبضاعة (المعرفة) من موضوع لموضع دون أن تفتش عن صلاحيتها وموافقتها لحياتك وسلوكك ورقيك وجميع شؤون حياتك.

أخيرا: لا تظن يوما أن «الجاهل» هو من لا يقرأ ولا يكتب، بل لابد أن تنتبه أن «الجاهل» بل وأجهل الجاهلين هو من نال درجة علمية لم تغير سلوكه نحو الأفضل ولم تمنحه الحكمة ولم تدله على فضائل الأخلاق، ففي الحياة من لا يقرأ ولا يكتب ولا يحمل أي درجة علمية لكنه يحمل سلوكا لا يصل إلى جزء منه أغلب أصحاب الدرجات العليا في العلم.