خضر عطاف المعيدي

البخل اللغوي

الخميس - 24 نوفمبر 2022

Thu - 24 Nov 2022

والناس ما لم يواسوا بعضهم فهم

كالسائمات وإن سميتهم بشرا

إن كان قلبك لم تعطفه عاطفة

على المساكين فاستبدل به حجرا

- خليل مردم بك

البخل أنواع وأشده أن يكون الفرد بخيلا بألفاظه الحسنة على حسن صنيع الناس ونجاحهم.

تتعدد ألفاظ الثناء وفق سلم التصعيد اللغوي Language Escalation فالشيء إما أن يكون رديئا أو جيدا أو جميلا أو فاخرا أو لا يقدر بثمن، ولكن حينما تجد أحدهم لا يعرف من هذا السلم اللغوي سوى لفظة «جيد» وعبارة «لا بأس» تعرف حينها أن خللا ما قد أصاب ذخيرته اللغوية، أو أن شللا أصاب لفظاته فلا تنقل من مخزونه اللغوي إلا هذه السبائك اللغوية.

تبدع زوجته وتتميز في الطبخ والأناقة والنظافة ولا تسمع منه سوى «جيد»، يبدع الموظف في أداء عمله بتفان وإخلاص ولا يسمع من مديره سوى «لا بأس»، يبدع الطالب في المادة ويتميز عن بقية زملائه ولا يسمع من أستاذه سوى «حسن» فأين بقية الألفاظ...! حتى الجنة جعلها الله تعالى درجات كما جعل النار درجات لتتناسب مع جهد كل مجتهد فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

ولكن نجد من البشر من يشح بألفاظه وكأننا في زمن «التليجراف» حيث يشير التاريخ إلى أن بداية استعماله كان مكلفا للناس ويدفع الإنسان مقابل كل حرف من رسالته ثمنا ولتكمل رسالة من ثلاثة أسطر قد تجعلك تستدين المال لإرسالها، لذلك عمد الناس في تلك الفترة للتقليل من عدد الكلمات والحروف بل وركزوا على الجمل الاسمية واستغنوا عن أغلب الأفعال وحروف الجر وأدوات العطف، وكل ذلك ليتحاشوا غلاء سعر الرسالة.

وأظن من يبخل اليوم بانتقاء العبارة الجميلة من بين مفرداته أنه شخص يشعر بالخسارة تجاه ذلك وأنه سيدفع ثمنا باهظا جراء ذلك، لذلك يركز على الألفاظ رخيصة السعر -مجتمعيا- ويبتعد عن تلك التي لها سعر باهظ وأثر جميل في النفس.

والخسارة والربح هنا لا يرتبطان بالمال وإنما بالتمويه الذي يعيشه أغلب المجتمع وعقدة النقص التي تمنعهم وتحجبهم من الاعتراف بتميز الغير؛ فالنجاح والتميز مصدرا «إزعاج» و«قلق» لبعض الأفراد الذين يرون نجاح الغير شعورا بالدونية والصغر، وكي يتم تعويض هذه الدونية والشعور بـ»الأقلية النفسية» يعمد المنهزم بنجاح غيره إلى عدم إشعار المتميز بتميزه والتقليل من شأنه كأداة انتقام أفرزها حقد دفين ولكن يبقى النجاح نجاحا والبخل بخلا.

ولعل أجمل ما أختم به هو أن تتذكر عزيزي البخيل بألفاظك تجاه الناجحين هذه الحكمة التي أنتجتها لك من فكري: «للانتقاص صوت واحد أما النجاح فله ألف صوت».