خضر عطاف المعيدي

أحادية الرأي: النظرية الفرعونية المعاصرة

الاثنين - 07 نوفمبر 2022

Mon - 07 Nov 2022

«أغلب ما تسمعه مجرد رأي وليس واقعا، وأغلب ما تشاهده مجرد تصور وليس حقيقة» (أوريليس).

لا يخلو الحوار الفكري والطرح الثقافي المعاصر من كثير من العجز الإرادي والتوسعي والذي أدى بدوره إلى انكماش ملحوظ في التلقي من قبل القارئ المعاصر، بل وإلى النفور الجمعي عن كثير مما يطرح، والسبب من وراء ذلك هو الأحادية في الطرح وإهمال ثنائية التوجه المعرفي. ليتسنى للقارئ الانحدار مع شلال الفكر، لا بد من تفتيق موضوعي لمفهومي الأحادية والثنائية.

مفهوم الأحادية هي أسلوب تنميطي للفكر يجعل من صاحبه المرجع الأساسي وبه يلغي جميع الأفكار المخالفة والأفكار التي لا تنساب مع فكرته، وهذا النوع من الفكر قد حجب عن كثير من الناس تفهم الآخرين، وتفهم الآراء، وإن من سمات هذا الكون التنوع وليس التفرد، ولقد كان لفرعون نمط فكري أحادي حجب من خلاله بني إسرائيل عن تلقي كل جديد حتى توهموا بأنه ربهم الأعلى (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، لكن بمجرد وجود البرهان القاطع من خلال عصا موسى، تغيرت مفاهيم بني إسرائيل فعلموا حينها بأنهم حجبوا لسنين من السماع لغير فرعون.

أما ثنائية التوجه المعرفي فهي نمط فكري ينطلق ولكن بصدى، وله تنقية، وله رؤية وقابل للاستمرار أو النكوص والإحلال أو الرفض الكامل.

وهو نمط فكري راق من حيث البنية ومن حيث الهدف، وهو أشبه بجدول الماء الذي تعددت مصادره، به يلقي المفكر آراءه بكل تجرد، يهدف من خلالها إضفاء نوع من التلقيح لتثمر بذلك أفكار متعددة.

والمفكر هنا ليس بالضروري أن يكون أنموذجا حيويا للأفكار، وإنما هو من يلحظ القضايا عن كثب ويحولها إلى نمط مقروء من أجل إثراء المجتمع الذي يعيش فيه، وأحيانا من أجل تغيير نمط التفكير ونمط العيش والابتعاد عن فكرة التقليد الأعمى.

فهل ما يطرحه كثير من المفكرين، وأصحاب صحافة الرأي، والمنظرين، يعكس التوجه البعيد للفكر الإنساني؟ هل يتقبل كل من يطرح فكرة النقد بشتى أنواعه، ولو كان جارحا في بعض الأحيان؟ وهل وهل... أسئلة متنوعة يطرحها الفرد العادي حول ما يجد من بعض الأطروحات الفكرية غير المثمرة في المجتمع.

ما ينبغي أن يعرفه الكثير ممن تقلدوا مفهوم «أحادية الرأي» هو أن أبعاد أي مفهوم أو فكرة إنما هو نتاج لتفاعل ما بين العقل والعاطفة من جهة، والإطراء من جهة أخرى، ومن ثم الإيمان بالفكرة كدستور سائد وإن خالفت الحقيقة، ولقد نبه الفيلسوف والكاتب الفرنسي كوكتو السابقين بقوله «لا يلهكم الرأي المتداول والراسخ في عقول الأجيال عن الحقيقة».

فكم باب من أبواب الاجتهاد قد سد بسبب رأي أحدهم فمنع المتأمل للنصوص من الاجتهاد، وكم ترسخت من معان مغلوطة في أذهان الكثير بسبب أحادية الرأي، وكم أصل فرع وفرع أصل بسبب أحادية الرأي.

لا بد من صياغة جادة تجاه ما يغرس في أذهان الأجيال بأن الآراء المتعددة ليست عبارة عن رخص يطاردها الزنادقة، وإنما هي نتاج لاستقراءات مختلفة للنص الواحد وفق مفاهيم مختلفة (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين).