عبدالله محمد الشهراني

العم علي وبيل جيتس

الأربعاء - 05 أكتوبر 2022

Wed - 05 Oct 2022

في نقاش صحي بين أب وابنه، سألت ابني عن سبب عدم اقتناعه بالسيارة التي اخترتها له، كانت إجابته صادمة لي حينها (لأن السيارة لا يتوافر فيها مثبت سرعة!). كانت صادمة لي أنا الذي ودعت سيارتي القديمة التي ظلت معي أكثر من عشر سنوات، وكان ذلك في عام 2018م. سيارة نظام الحركة فيها يدوي (تعشيق وكلتش)، سيارة كنت أزاحم بها الناقلات الكبيرة في محطات الوقود لأنها تعمل بالديزل. ودعت سيارتي تلك قبل أن أفهم كيف يعمل مثبت السرعة، لتحل محلها سيارتي الجميلة الجديدة التي جعلتني أستشعر نعمة الله علي؛ فلا متعة ولا سعادة تفوق نعمة التدرج.

أفقت صباح اليوم التالي معتذرا لابني الذي كان محقا، فما دامت هناك نعم بين أيدينا فلم لا نستفيد منها! والحق أن الذي جعلني أغير رأيي هو أنني تذكرت موقفا جرى قبل عشرين عاما، حيث كنت أجري تغيير زيت السيارة، وكان العم علي -وهو رجل كبير في السن- هو من يدير مركز العناية بالسيارات (بنشر)، وكان وقتها ينقض على ابنه الصغير بضرب مبرح وبشكل مخيف للغاية، تدخلت يومها لإنقاذ الابن من بطش أبيه، وجعلته أنا -وإخوته- يهرب بعيدا عن المحل. لكن ماذا كان سبب كل ذلك؟ كان الأب يريد أن يعتاد ابنه على استعمال (مفك صواميل الإطارات اليدوي)، بينما كان الابن يصر على استخدام المفك الكهربائي، فعندما يكون العم علي مشغولا يستخدم الابن المفك الكهربائي، وقد حذره الأب مرارا لكن الابن أراد أن يستفيد من شيء متوافر وسريع ودقيق.

غضبت من العم علي وقتها وشرحت له فائدة المفك الكهربائي فيما يخص الإنجاز والجودة، وكان رده علي: (أنا وإخوته الكبار تعبنا وشقينا وهو لازم كمان يتعب ويشقى)، وسألته: ولماذا؟ أنت الآن أنعم الله عليك وتطورت الدنيا، فلم ترفض أن يتمتع ابنك بهذه النعم وهي متوافرة أمامه؟ لأجد نفسي بعد عشرين عاما أكرر ما فعله العم علي!

يحكى أن أغنى رجل في العالم «بيل جيتس» كان في أحد مطاعم شيكاغو، وعند مغادرته أعطى كل عامل في المطعم (100) دولار على هيئة «بقشيش» وتصور أن يشكره الجميع، لكنه استشعر استغرابا وحالة من عدم الرضا على وجوههم، وعندما سأل أحدهم، ما الأمر؟ أجابه قائلا: لقد كان ابنك الأسبوع الماضي هنا، وعند مغادرته أعطى كل واحد منا (200) دولار «بقشيش».

فهم بيل جيتس حينها سبب عدم رضا العاملين في المطعم، وقال مقدما لهم درسا بخصوص «الفرق في المعيشة وظروف الحياة»: من أعطى الـ (200) دولار ذاك كان أبوه «بيل جيتس»، أما أنا فأبي هو الموظف «وليام هنري جيتس». رغم فكاهية الموقف - والمؤكد أن استغراب العاملين في المطعم قد تضاعف بسبب الرد - إلا أن الفائدة المستخلصة منه هي أن بيل جيتس لم يستغرب أو يستنكر تصرف ابنه الذي ولد والخير موجود، فما فعله هو أمر لا يعيب أي شخص ولد وعائلته في خير، لكن العيب هو إصرار بعض العائلات على التقشف والتعب، والعيب أيضا أن يتظاهر الشخص بأنه مسكين ومن عائلة فقيرة -من باب العصامية- وهو وأهله في خير.

قال تعالى: «وأما بنعمة ربك فحدث».

@ALSHAHRANI_1400