خضر عطاف المعيدي

مفهوم التغيير

الاثنين - 05 سبتمبر 2022

Mon - 05 Sep 2022

كن غديرا يسير في الأرض رقراقا

فيسقي من جانبيه الحقولا

تستحم النجوم فيه ويلقى

كل شخص وكل شيء مثيلا

لا وعاء يقيد الماء حتى

تستحيل المياه فيه وحولا

إيليا أبو ماضي.

الحركة أصل في الكون والسكون أمر عارض (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون). يعتبر التغيير من أصعب الموجات التي جابهتها البشرية عبر العصور والذي خلف وراءه الكثير من التضحيات ليستمر، وسر صعوبة التغيير هو أنه يخرج الإنسان من دائرة الراحة Comfort Zone إلى دائرة الشقاء بتقبل الجديد، وكل جديد - في نظر الإنسان- يتعبر نوعا من التحدي الذي يتطلب دورة زمنية ليتكيف الإنسان معه.

ولعل ما ذكره أستاذ جراحة التجميل الدكتور ماكسويل مالتز في عام 1960م في كتابه الجميل Psycho-Cybernetics «الضبط النفسي»: بأن الإنسان بحاجة -أحيانا- لـ21 يوما حتى يتكيف مع أي أمر جديد. وقد ذكر بأنه «أثناء انتقال الإنسان لمنزل جديد فلن يعده مسكنا حتى يمضي به على الأقل ثلاثة أسابيع ليتمكن عقله من الاعتراف به كمنزل». فالتغيير ليس بتلك السهولة التي قد يتصورها كل من يريد أن يبثه في مجتمعه بل يتطلب أحيانا دورة حياتية كاملة ليصبح واقعا وليصنع بالمقابل مناهضين له في تلك الحقبة.

ولكن ما هو التغيير كمفهوم؟ هناك للأسف خلط واسع بين «التغيير» وما بين «الانحلال» وهناك خلط ما بين «التغيير» وما بين «الإكراه»، إن التغيير في مجملة لا يعني طمس الماضي أو هدم القيم أو إقصاء التراث والمعتقدات، ولكنه عبارة عن صهر للقيم القديمة وفق قوالب جديدة وتطويرها لتواكب العقل المعاصر والمدنية المعاصرة. إن انتقال الإنسان من ركوب الدواب كالخيل والبغال والحمير لقيادة السيارة وغيرها من وسائل المواصلات لا يعني بالمقابل أن يعمد الإنسان إلى التخلص من وسائل المواصلات البدائية وإلغاء وجودها في الكون فهي تشكل جزءا مهما لفئة من الناس الذين لا يتسنى لهم الحصول على وسائل التواصل الحديثة.

إذن فالتغيير لا يعني «التخلص» من القديم أو «إبادته» بل تطويره وتذليل التعايش مع ذلك البديل، ومن أصعب عناصر التغيير هو ضخ «تغيير الفكر الجمعي» دفعة واحدة وعبر مرحلة واحدة. ولقد ذكر مهاتير غاندي «ما لم تغير من حولك فغير من نفسك»، وهذه من أجمل الحكم حيث وضع بها «غاندي» لبنة التغيير، وهي أن التغيير نزعة فردية بالدرجة الأولى. ولقد سبق القرآن الكريم هذا الرأي (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). لعل بعثة المصطفى عليه السلام كانت مثالا حيا لمجابهة التغيير، وبعثته ورسالته تعتبر من أصعب أنواع التغيير التي طرأت على العرب عموما وقريش على وجه الخصوص وذلك بعد فترة من الرسل وهي «تغيير المعتقد»، لذلك واجهوه بالإقصاء والمعاداة والطرد لخارج مكة وكل ذلك لأن مجمل رسالته كانت «تغيير معتقد القوم» وتوجيه عقل العربي من عبادة الأصنام إلى رب الأرباب ومسبب الأسباب فكانت كالصاعقة على القوم.

ومن ثم وبعد استقرار الدين وثبات دعائمة عانت العرب من تغيير جديد وهو الخلافة، حيث إن موت المصطفى عليه الصلاة والسلام وتولية خلافة المسلمين لأبي بكر -رضي الله عنه- جعل بعض قبائل العرب ترتد عن الإسلام وهذه الارتداد سببه ما يسمى في علم المنطق: Null Condition «انتفاء الشرط» وهو هنا «بقاء الرسول» فهو منبع التغيير لهم، فوفاته سبب صدمة نفسية، لذلك عمد أبو بكر -رضي الله عنه- بحكمته البالغة لمعالجة هذه الصدمة بمقولته الشهيرة: «ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت» فثبت بها أبو بكر العقيدة في القلوب.

يعج التاريخ بالملاحم والوقائع التي خلفت الكثير من الدمار وكل ذلك بسبب «التغيير» ولولا هذه التضحيات لما انتقل الإنسان نحو الأفضل.

إن عدم تقبل التغيير يفضي إلى إغماد العقل وإخماد نور التفكير وتفشي «العقل المتطفل» ويورث «العقل المؤجر» و»العقل الاتكالي» الذي لا يرغب في التغيير ولكن يرغب في التقدم، يرغب أن تستطب زوجته على يد طبيبة من بلده ولا يرغب أن يجعل ابنته طالبة للطب، يرغب بالحوار ولا يريد سوى رأي واحد، ينعق ليل نهار بأن الخلاف لا يفسد للود قضية وهو أول من يحاربك حال اختلفت معه في مسألة تطرح متغيرا جديدا وليست من المعلوم في الدين بالضرورة.. وهلم جرا.