خضر عطاف المعيدي

يعطيك العافية، بنجيب عمرة... العربية إلى أين؟

الأربعاء - 17 أغسطس 2022

Wed - 17 Aug 2022

التشوه اللغوي ظاهرة سريعة الانتشار، ولقد بات هذا التشوه سمة ملازمة للغات والعربية منها على وجه الخصوص. ومن منظور علم اللغة الاجتماعي Sociolinguistics هناك مفهوم يطلق عليه adstratum «هيمنة الدخيل» ويقصد به أن الدخيل اللغوي له سلطة بالغة التأثير في البنية اللغوية المدخول عليها، وتتفشى هذه السلطة اللغوية لتشمل البناء الصوتي والصرفي والنحوي والدلالي بل ويتعدى ذلك ليشمل لغة الإشارة في كثير من الأحيان.

ويرجع مفهوم «هيمنة الدخيل» للمستوطن للبلد الجديد من خارج لغته وثقافته، فحينما يقدم الأجنبي للعمل في وطننا -مثلا- فهو لا يأتي فقط بمهنته بل بلغته وثقافته والتي يقوم من خلالها بتقنين مدخلات العربية وفق نظام خاطئ يسمى في اللسانيات Categorical Perception Disorders «اضطراب الإدراك التصنيفي»، وهذا النوع من الاضطراب سببه إما عدم إدراك الألفاظ بدقة أو تمرير بنية اللغة الجديدة -العربية مثلا- على قوانين اللغة الأم مما يسبب الخلط والمزج والذي ينتج عنه لغة خليط لا تمت للغتين بصلة بل هي في «منزلة بين المنزلتين».

ويبدأ هذا النوع من الاضطراب بضرب أركان القوانين الصوتية فتسمع «مهمد» بدلا من «محمد» و»بكالة» بدلا من «بقالة»، ومن ثم يتجاوز البناء الصوتي ليضرب في مقتل البناء النحوي كقولهم «وين روح» بدلا من «أين ستذهب» أو عاميا «وين رايح»، وكقولهم «ما في مشكلة» بدلا من «لا إشكال»، وقولهم «نجيب عمرة» بدلا من «ذاهب لأداء العمرة» أو «أعتمر»، والعربية الحديثة مليئة بأمثلة تتنوع من الاستعمالات التي جرت على ألسن الكثير بقصد أو غير قصد بل وقد تعدى الأمر اللغة ليشمل حتى هزة الرأس أحيانا بدلا من أن تكون أمامية خلفية لتتبع الدخيل وتصبح «كتفية» أي من الكتف الأيمن للكتف الأيسر.

وقد يظن البعض أن الأمر هين وليس بتلك الخطورة ولا يعلمون أننا في هذا العصر نعاني من لغة دخيلة أخرى يعمد إليها من نصبوا أنفسهم مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا منهم رواد تطبيق «التفاعل المرئي» سناب شات، حيث أرادوا من اللغة الإنجليزية وسيلة لإظهار التحضر والثقافة الهشة فعمدوا لاستعمال لغة لا هي بالإنجليزية ولا العربية بل هجين بربري لا ينتمي للغتين كقولهم «غايز» يقصدون guys «أعزائي» وقولهم كذلك «فوييس» ويقصدون voice «الصوت» ولا أعلم من أين أتوا بياءين هنا مع العلم أن منتصف المفردة صائت مركب diphthong وكذلك لا يوجد بها أصلا «فاء» مهموس بل هو (v) المجهور. والمصيبة أن المتلقي يتلقاها منهم كأنهم أهل الحل والعقد اللغوي.

ومن العجائب أن إحدى المشهورات وتدعي أنها متخصصة في الإنجليزية وحينما أرادت أن تقول إنها ستطبخ للمتابعين «صينية سمك السلمون» فقالت: I am cooking salmon today فخلطت بين السالمون العربي والسلمون الإنجليزي لأني أعرف أنها قد خدعها الهجاء فصوت (l) الذي يسبق (m) لا ينطق في الإنجليزية فهي «سامون» إنجليزيا وليست «سلمون» وأظن بأن طبخها سيكون كنطقها بلا طعم.

نحن بحاجة للحديث مع الأجنبي بلغتنا لا لغته حتى يرتقي للغتنا وإلا هبطنا نحن للغته وهبطت بذلك لغتنا، نحن بحاجة لتنقية لغتنا من شوائب الدخيل ومن شوائب المتشبثين بالإنجليزية وهم أشد الناس عجزا بالحديث بعربيتهم فأغلبهم لا يجيد الحديث بالإنجليزية ومؤشر الملكة اللغوية تكمن في اللغة الأم، فهي التي تقود الدفة تجاه اللغات الأخرى... ما لم ننق اللغة من الشوائب العالقة سيعجز الجيل القادم عن فهم القرآن وسيولد فجوة اتصال معرفية بين الأجيال كما حل باليابان مؤخرا حينما اتبع الجيل الجديد نظام «الكاتاكانا» katakana، وهي اليابانية الممزوجة بالدخيل اللغوي فتخلخلت بسببه جودة التواصل مع الجيل القديم.