خضر عطاف المعيدي

(يا أخت هارون)

الاثنين - 08 أغسطس 2022

Mon - 08 Aug 2022

منذ فجر التاريخ لعصرنا هذا لا يزال ينسب الإنسان الذنب وسوء الطباع بالجين والجينوم. تورث في بعض العقول أن الطبائع تنتقل عبر الدم ومن جيل لجيل. حينما حملت مريم عليها السلام هرع القوم بقولهم: (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا) تعبير قرآني جميل ووصف اجتماعي رائع حين يصف الله حال الناس في أمور دنياهم وكيف يربط المجتمع الهزيل ما بين السلوك السيئ وما بين الأسرة.

إنه السلوك التعميمي الذي يمارسه أغلب الناس حينما يبتون في أمر قد أخل بالقيم الاجتماعية مثل السرقة والزنا وما إلى ذلك؛ فلا يتجهون للفرد وفق قوله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) بل هي العادة السيئة التي تجعل من ربط كل أمر مشين بتاريخ السلالة التي انحدر منها الفرد، ويؤكد ذلك ما استقر في قلوب بعض البشر بأن الجريمة لها تسلسل تاريخي لذلك يتسارع البعض للنبش في قبور الآباء والأجداد لربط الجريمة بالموروث.

لماذا إذا أخطأ الفرد نظر المجتمع إلى السلالة التي انحدر منها؟ هل للسلالة دور جيني في نقل موروث الجريمة عبر الأجيال لتكون صبغة ثابته لعائلة محددة؟ فمن كان جده سارقا كان لابد أن يتسلسل إليه ذلك السلوك، ومن كان جده خبيثا تناقل الأحفاد الخباثة بأصولها... والشيء بالشيء يذكر حيث أورد الأصمعي قصة بأن أعرابية كانت تسير في الصحراء فعثرت على جرو ذئب يكاد يموت جوعا فأشفقت عليه وأخذته لبيتها وكانت لديها شاة حلوب فجعلت تلك الشاة أما للذئب وأصبحت الشاة ترضعه حتى كبر الذئب، وفي يوم من الأيام خرجت الأعرابية ولما رجعت وجدت الذئب قد بقر بطن الشاة وأكل من أحشائها، فغضبت الأعرابية وتحسرت على ما حل بها فأنشدت:

بقرت شويهتي وفجعت قلبي

وأنت لشاتنا ابن ربيب

غذيت بدرها وربيت فينا

فمن أنبأك أن أباك ذيب

إذا كان الطباع طباع سوء

فلا أدب يفيد ولا طبيب

لم تثبت الدراسات العلمية بأن هناك علاقة وطيدة ما بين تاريخ السلالة الإنسانية وما بين ما ينحدر من خلالها من سمات تخص الخروج عن المألوف كالسرقة والشحاذة والقتل والخيانة والغدر، بل هي سلوكيات وليدة اللحظة ونتاج لخلل معرفي وخلل وظيفي، هي أمور مكتسبة تأتي وفق خلل في التنشئة وليس في النشأة.. وفي المقابل، حينما تتميز مجتمعيا وتتفوق على أقرانك تأتيك أصابع الاتهام الجيني من جهة أخرى فيرددون «يخرج الحي من الميت» أو «أبوه ما كان شاطر» وما إلى ذلك، ومضمون الرسالة هنا تذم أبيك وتمدحك، وكأن لسان حالهم هنا يؤكد أن تميزك أمر شاذ خرج عن المألوف؛ فبما أن أباك غبي لابد أن تكون مثله.

لذلك يجب أن يعي الفرد بأن السلوك الإنساني أمر معقد كما يشير علم النفس وتشير دراسات المنهج السلوكي المعرفي، ولا يمكن التنبؤ يوما بأن من كان والده شجاعا بأنه سيصبح شجاعا ومن كان والده جبانا بأنه سيورث الجبن لمن يليه من أجيال فهذه أمور مردها للحراك اليومي وللتجارب وللبيئة التي ينشأ بها الفرد لا للسمات الشخصية التي ورثها من أبيه.