صهيب الصالح

صعود صراع الحريات في المشهد الأمريكي

الاحد - 15 مايو 2022

Sun - 15 May 2022

يسيطر على المشهد الأمريكي صراع من نوع جديد على أشكال حديثة من الحريات في أثناء ترقب الفروع التشريعية والتنفيذية في الولايات المتحدة قدوم شهر نوفمبر المقبل الذي يحمل معه موعدا بالغ الأهمية للانتخابات النصفية، إذ يظهر بايدن إصراره على استمرار الزخم حتى ذلك الحين لكي لا يتكتل أمامه الجمهوريون بأغلبية في الكونجرس، وعلى الرغم من أن الوقت مبكر جدا لإطلاق التكهنات حول ما ستفضي إليه الانتخابات النصفية المقبلة؛ إلا أن المشهد الأمريكي منذ فوز ترمب في وضع يحتم علينا مراقبة أدق منعطفاته، خاصة وأن العديد من دراسات السياسات الأمريكية بدأت تتنبأ بتغيرات قد تطرأ على الولايات المتحدة مع الإبقاء على بعض عناصر السياسات الأمريكية، ومنها مثلا أن يفوز أو ينافس بشدة مرشح مستقل في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبالنظر إلى تشكيل السلطة الأمريكية ومنهاج عملها يمكن القول بأن أسطع نجمتين في السياسات الأمريكية، وهي الفيدرالية والفصل بين السلطات، باتت مهددة بالأفول شيئا فشيئا على وقع اشتداد الاصطفاف على أسس أيديولوجية أو حزبية، وقد يضاف إليها هذه المرة انقسام على أسس دينية، فالفيدرالية هي التي كبحت جماح تأثير النزعات القومية على السلطة، وها قد عادت هذه النزعات إلى المشهد بقوة وتوجت جهودها في اقتحام مبنى الكابيتول العام الماضي، بعدما شعر أحفاد الآباء المؤسسين بأنهم خسروا الأغلبية في مكونات المجتمع الأمريكي حتى أصبحوا يعبرون عن أنفسهم بـ«الأغلبية الأقلية»

حتى في التمثيل وفق الأصول العرقية في إدارة بايدن، أما مبدأ التوازن الذي يفصل السلطات الثلاث -رغم استمرار فاعليته- فلم يعد مطابقا تماما للمصالح السياسية والاقتصادية للحزبين، خاصة في القضايا الاجتماعية.

ففي السابق كانت القضايا الاجتماعية تتميز عن القضايا الحالية بخاصيتين: أهميتها وإمكانية اللجوء فيها إلى تسويات تشريعية توصف بأنها حلول وسطى ترضي كافة التيارات السياسية، وقد يكون أهم ما نتج عن هذه التسويات في تاريخ الولايات المتحدة هو مجلسي الجهاز التشريعي، أما في هذه الأيام فأكثر ما ينشغل به الرأي العام الأمريكي هو تسريب مسودة قرار استعداد المحكمة العليا لإلغاء حق الإجهاض الذي أقر في عام 1973 في السابقة القانونية «رو مقابل وايد»، ليحتدم بعدها صراع حول قضية الإجهاض لا يقبل التسويات على الطريقة التقليدية، وقد ارتفعت مناهضة حق الإجهاض في عام

2020 في 31 ولاية أمريكية منها 6 ولايات تعادي القانون بإفراط وفق معهد غوتماخر؛ ما يؤكد على اتساع الفجوة نتيجة التجاذبات التي سبق ذكرها.

ويأتي قرار المحكمة هذا بعد تغير خليطها الفلسفي والأيديولوجي عن قرارها في عام 1973 من خلال تواجد أغلبية محافظة، فالفلسفة القضائية في المحكمة الأمريكية العليا تتكون من أساسين: الأساس الأول هو «الفعالية» من خلال النزول إلى آراء الكونجرس في تفسير النصوص الدستورية، في مواجهة التحفظ الذي لا يأخذ شيئا غير كلمات الدستور مجردة من البحث عن تفسير نوايا كاتبيها، إلى جانب الأساس الثاني وهو «تأثير الأيديولوجية السياسية» حيث تلعب توجهات القضاة الليبرالية والمحافظة دورا هاما في قرارات المحكمة، وعلى الرغم من أن المحكمة تفسر قراراتها في ضوء القانون

والسوابق القانونية، إلا أنها تستطيع تشكيل قانون ما وتستطيع كذلك إعادة تشكيله أو إلغائه كما هي حال قانون حق الإجهاض، ودائما ما تتسبب هذه القرارات بمنعطفات تهتز لها صلابة السياسات الأمريكية؛ لتأثيرها على الفروع التشريعية والتنفيذية.

وبالتوازي مع عودة التوجهات المحافظة في الإطار الدستوري الأمريكي؛ جاء إيلون ماسك لدعم التوجهات المحافظة وفتح الأبواب التي أوصدتها التوجهات الليبرالية أمام حرية التعبير من خلال استحواذه على منصة تويتر، صاحبة ما يقرب من 400 مليون مستخدم حول العالم -وفق بعض التقديرات- والمفضلة لدى طبقة الزعماء والقادة، وقد تعهد ماسك بجعل مجتمع تويتر مفتوحا، ليوطد بذلك حركية النقاش وتوافر الحقائق بعدما فقدت سلطة التوجهات الليبرالية توازنها في إدارة حرية التعبير، ويعزز بصفقته هذه صعود صراع الحريات مما سيجعل هذا الصراع المؤثر الأبرز في صناديق اقتراع

الانتخابات النصفية المقبلة.

@9oba_91