وليد الزامل

الغش العقاري من فلل الكراتين إلى علب السردين؟!

السبت - 07 مايو 2022

Sat - 07 May 2022

«فلل الكراتين» مصطلح محلي شعبي شاع استخدامه خلال العقد الماضي للتعبير التهكمي عن الوحدات السكنية رديئة البناء أو تلك التي لا تتبع أي مواصفات جودة معيارية سواء في طريقة الإنشاء أو نوعية المنتجات الصحية والتمديدات الكهربائية. لقد جاء الترويج لتلك الوحدات السكنية من قبل بعض العقاريين تحت شعارات ظاهرها يتمثل في تقديم منتج سكني يراعي القدرة الاقتصادية ويتفهم احتياجات الأسرة السعودية في آن واحد؛ وباطنها استغلال الحاجة للسكن واستنزاف جيوب الأسر والدعم السكني المقدم لها.

بعبارة أوضح، إنها فلل سكنية مغشوشة تنطبق عليها المادة الأولى فقرة (أ) من نظام مكافحة الغش التجاري التي تنص على أن المنتج المغشوش هو «كل منتج دخل عليه تغيير أو عبث به بصورة ما مما أفقده شيئا من قيمته المادية أو المعنوية، سواء كان ذلك بالإضافة أو بالإنقاص أو بالتصنيع أو بغير ذلك..» ويتضمن ذلك كل منتج غير مطابق للمواصفات القياسية المعتمدة.

لذلك فمن المأمول أن هذا النوع من الوحدات السكنية المغشوشة اندثر أو في طريقه للاندثار على الأرجح لاسيما مع تكثيف الرقابة، واعتماد كود البناء السعودي، وتطبيق نظام التأمين الإلزامي للمباني السكنية.

في الواقع، جاءت هذه الأنظمة مجتمعة كردة فعل نتيجة تضرر بعض المواطنين واستقبال العديد من الشكاوى وبلاغات الغش التجاري وفي محاولة للحد من العيوب الإنشائية والأضرار التي تصاحب عادة عمليات تنفيذ المشاريع السكنية واسعة النطاق، وصولا إلى رفع جودة الوحدات السكنية باتباعها الحد الأدنى من المواصفات القياسية التي تتلاءم مع أنظمة السلامة الإنشائية والبيئة المحلية. وفي المجمل، يمكن أن تقود مثل هذه الأنظمة إلى تحسين قطاع العقار، والمقاولات، ورفع جودة البناء؛ إذا ما اقترنت بآليات رقابة صارمة تمنع استغلال بعض العقاريين منتج المسكن باعتباره احتياج إنساني محض.

وإن كانت البوادر اليوم تشير إلى قرب اضمحلال ظاهرة الغش في منتجات الفلل السكنية «فلل الكراتين»؛ إلا أن بوصلة العقار تتجه حاليا نحو الترويج لنوع آخر يسمى شعبيا بـ «عُلب السردين» وهي علب معدنية صغيرة تحشر بها أسماك السردين وتغمر بزيت نباتي مع حبه فلفل جافة حمراء اللون. هذه العُلب وإن كانت اليوم سهلة الفتح؛ إلا أنها ارتبطت في أذهان الكثير بكونها عصية تأتي مقترنة بمفتاح خاص صعب المراس إذا ضاع لا يمكن فتحها لتبقى هذه الأسماك الصغيرة حبيسة في هذا المجال الضيق. ولست هنا بصدد الإسهاب في شرح محتويات علبة السردين بقدر الرغبة في توضيح القواسم

المشتركة بينها وبين الاتجاه الرائج في عالم البناء والعقار والمتمثل في ترشيد محتويات المبنى لتبدو كعلب صغيرة المساحة تحشر داخلها أفراد الأسرة في أحدث صرخات الإبداع الذي يتماهى مع اقتصاديات السكان.

في الواقع، اختزل هذا الاتجاه قضية الإسكان باعتبارها «عُلبة سردين» يتم التعامل معها ككتلة بنائية وفراغ يتناسب حجمه طرديا مع قدرة الأسرة على الدفع! لتلقي اللوم على المستفيد فهو المذنب والمتهم الأول لأنه غير قادر على الدفع؛ دون الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى أصل المشكلة وجذورها العميقة.

وختاما، أؤكد أن هذه الأفكار التسويقية العقارية نجحت بجدارة ليس في حل المشكلة؛ ولكن في تسطيح أزمة الإسكان وحصرها داخل نطاق (الوحدة السكنية) لتبقى الحلول الإسكانية الإبداعية تراوح مكانها من فلل الكراتين إلى علب السردين!

@waleed_zm