فهد الحازمي

وفاة زويل والعقول المهاجرة

السبت - 13 أغسطس 2016

Sat - 13 Aug 2016

رحل العالم المصري - أول (وآخر) عربي يفوز بجائزة نوبل في العلوم - أحمد زويل عن دنيانا يوم الثلاثاء الثاني من أغسطس الجاري، وقد غطت خبر رحيله مختلف وسائل الإعلام العربية والعالمية، حيث أوصى العالم المصري أن يدفن في مسقط رأسه في مصر.



ولكن بعد رحيل زويل هناك سؤال ملح، هو هل سيكون لدينا زويل آخر؟ إما أن يكون الإنجاز العلمي مرهونا بالذكاء والمهارات الشخصية الفذة وهذا يزيدنا جلدا للذات ويجعل حلم نوبل أبعد، أما الاحتمال الآخر - وهو الصحيح طبعا - فهو أن هناك بيئة كاملة تهيئ الجو العلمي وتحفزه. فالعالم المصري أحمد زويل ذهب إلى أمريكا مبكرا ودرس فيها الدكتوراه وأجرى فيها أبحاثه وصعد نجمه من هناك، مثله مثل غيره من العلماء والباحثين في العلوم الطبيعية.



الدعم المادي للعلماء ليس كل شيء. فحتى لو رفعت الدول العربية ميزانية البحث العلمي أضعافا مضاعفة لا يمكننا القول إن هذا الدعم كفيل بتوفير بيئة علمية خلابة تشجع على الابتكار والإبداع. هناك بالمقابل نظام كامل أو مناخ صحي متكامل يوفر قاعدة أساسية لكل عالم وباحث بالرغم من تواضع الإمكانات المادية، فالبحث العلمي ليس عمل الشخص الواحد. على الرغم من أن جوائز نوبل وغيرها تعطي هذا الانطباع إلا أنه يستحيل على شخص واحد مهما بلغ من الذكاء أن ينتج بحثا علميا متكاملا. ولهذا لا عجب أن تجد أن الغالبية الساحقة من الأوراق العلمية يتشارك في كتابتها مجموعة من العلماء قد تصل إلى أرقام كبيرة. وهذا التوجه ازداد أخيرا وبشكل ملحوظ في كل دول العالم. هذه البيئة ـ أو المناخ ـ التي توفر الإمكانات والسبل لإجراء مثل هذه الأبحاث هي أهم ما نفتقده لكي نبدأ في الحديث عن دعم البحث العلمي.



القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية تبدأ من الإيمان بأهمية البحث العلمي. مشكلة الاستثمار في البحوث العلمية أن نتائجه ليست مباشرة ولا فورية، بل تتطلب الكثير من الوقت والجهد والتأني لكي تنجح، ولكننا لسنا بحاجة للكثير لكي نبرر الاستثمار في العلوم، فالاستثمار في البحث العلمي هو استثمار في الإنسان والعقول أولا وأخيرا، ونتائجه ستعود بالنفع علينا وعلى أبنائنا والأجيال من بعدنا.



وعلى الرغم من كل هذه المبررات والمغريات إلا أن دعم العلوم والأبحاث في بلادنا متأخر للغاية. كلما مررت باسم باحث سعودي في الخارج أقوم فورا بتتبع سيرته وإنجازاته العلمية وأجد دوما الملاحظة نفسها: كلها تتوقف بمجرد إنهاء بعثاتهم وعودتهم لبلادهم. هناك أسباب كثيرة ولكن برأيي أن غياب المحفزات وغياب الفكر الداعم والمشجع على البحث أبرز العوائق. فـ«الصاعدون على الأكتاف» هنا عملية سهلة ولا تتطلب الكثير من الوقت ولا الجهد، كما أنها تعود بذات المنافع التي يجلبها البحث العلمي الحقيقي. أما غياب الفكر الداعم والمشجع على الأبحاث فلك أن تسأل الجامعات عن عدد المعامل البحثية والمراكز البحثية مقارنة بعدد الأساتذة.



جامعاتنا ليست موطنا صحيا لعمل الأبحاث الحقيقية، وذلك أن شغلها الدائم هو تخريج الطلاب. قد يكون من الظلم أن نحمل الجامعات كل المسؤولية، ولكن بلا شك أن عليها مسؤولية كبيرة لم تضطلع بها بما يجب..



لا شك أن رحيل زويل عن دنيانا حدث محزن، لكن كان جديرا بنا أن نحزن أكثر حين جمع أمتعته وشد رحاله للولايات المتحدة الأمريكية. ولكن زويل ليس الوحيد الذي رحل إلى الغرب، بل سبقه ولحقه الآلاف من المؤهلين والعلماء والذين لا يكترث لأمرهم سوى من يدركون قوة العلم. فكيف نعيدهم؟ للحديث بقية.



[email protected]