طلال الحربي

لا تعطونا دروسا في الأخلاق!

الجمعة - 12 أغسطس 2016

Fri - 12 Aug 2016

من حين إلى آخر، تخرج علينا منظمات ومراكز تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان وتعتاش على شعار «تبرعوا لنا» بتقارير عن المملكة تتباكى على ما تدعي أنها انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الدولي. هذه التقارير لا تزال تكرر الادعاءات نفسها منذ عشرات السنين، لكنها تصاعدت في الآونة الأخيرة واشتدت وتيرة الحملة السياسية والإعلامية بعد إصرار قيادة المملكة على لعب دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي وامتلاك قرارها السيادي ورفض الإملاءات والتعامل مع الحلفاء والأصدقاء على أساس احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.



هذه النقلة النوعية لم ترق لأطراف كثيرة تضررت مصالحها، فسعت إلى تشويه صورة المملكة وسمعتها العالمية ومنها اتهامها بالضلوع في هجمات 11 سبتمبر وهو ما كشفت كذبه الصفحات «السرية» في تقرير التحقيق في الهجمات. وزادت وتيرة التشويه بعد اضطرار المملكة إلى مواجهة التهديد والتمدد الطائفي الإيراني على حساب أمن المملكة ودول المنطقة وسلامة أراضيها وأمن شعوبها. هذا التصدي لم يعجب مراكز القوى في الإدارة الأمريكية التي اتبعت سياسة الدبلوماسية الناعمة مع إيران وحلفائها، مما سمح لهم بإطالة أمد حرب الإبادة التي يقوم بها النظام السوري وحلفاؤه الإيرانيون والروس والميليشيات الطائفية وعلى رأسها «حزب الله».



المرحلة الفاصلة كانت إنشاء المملكة للتحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن بعد استيلاء ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران وحليفها المخلوع علي عبدالله صالح. كانت قيادة المملكة مضطرة إلى خوض هذه الحرب لوقف التهديد الإيراني الآتي من خاصرتها الجنوبية. لم يكن قرار «عاصفة الحزم» خيارا مريحا ولكن كان لا بد منه بعد استنفاد كل المحاولات لحل الأزمة سلميا ومنها استضافة علي عبدالله صالح و»ترميمه» من التشوه الذي لحق به بعد محاولة اغتياله.



ما هدفت إليه المملكة هو كسر شوكة تحالف الشر من الجو، بينما تولى الجيش اليمني الوطني وقوات المقاومة الشعبية المهمة على الأرض.



مما لا شك فيه أن الحروب ليست شيئا جميلا، ولم تلجأ إليها المملكة منذ تأسيسها، ولكنها في هذه المرة كانت تتصرف بناء على قرارات الشرعية الدولية، ومنها مراقبة تهريب السلاح الإيراني إلى عصابات الحوثيين عبر البحر. لكن ما يؤسف له أن المجتمع الدولي استخذى أمام إيران ولم يطبق القرارات الدولية التي اعتبرت ميليشيات الحوثيين عصابات مارقة، فأطلق الرئيس الأمريكي باراك أوباما تصريحاته الاستفزازية ضد المملكة ودول الخليج ونشر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تقريره الذي اتهم فيه المملكة بقتل الأطفال اليمنيين، مما شجع هذه الميليشيات على الاستمرار في القتال وقصف المدنيين في نجران والاستخفاف بالفرارات الدولية ورفض كل محاولات حل الصراع سلميا، ومنها إفشال مفاوضات الكويت وعزمها تشكيل مجلس سيادي لإدارة اليمن.



بالعودة إلى تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش، فقد شاركتا بحماس في الحملة ضد المملكة من خلال نشر تقارير تنقصها الدقة والموضوعية. هذه التقارير لم تخف المملكة التي نشطت دبلوماسيتها في كشف الحقائق، مما دفع بان كي مون على التراجع عن قراره الذي أعد بالريموت كونترول.



كلنا يعرف أن الحروب ليست نظيفة إذا كانت الأطراف الأخرى المشاركة فيها لا تحترم شرف السلاح، لذلك

لا توجد ضمانة لعدم سقوط ضحايا من المدنيين والسبب كما قال تقرير سري، أعده خبراء الأمم المتحدة الذين يراقبون العقوبات المفروضة على اليمن، إن الحوثيين استخدموا المدنيين كدروع بشرية، وقال الخبراء في تقريرهم، إنهم «شبه متأكدين من أنه في المخا بمحافظة تعز خبأ الحوثيون مقاتلين وعتادهم، داخل أو قرب مدنيين ومنشآت مدنية بهدف تجنب هجوم، معرضين بذلك عمدا السكان المدنيين للخطر». كذلك قام الحوثيون بتفجير ذخائر كالصواريخ على سبيل المثال، في مناطق مأهولة ولا سيما في تعز، بحسب التقرير.



كما اتهم التقرير المتمردين الحوثيين بنهب احتياطات المصرف المركزي اليمني لتمويل عملياتهم العسكرية، مشيرا إلى أنهم ينهبون 100 مليون دولار شهريا.

وجاء في التقرير، المكون من 105 صفحات، الذي أعد لمجلس الأمن الدولي، إن الحوثيين أخفوا مقاتلين وعتادا بالقرب من مدنيين في منطقة المخا بمحافظة تعز «بهدف متعمد هو تفادي التعرض للهجوم»، وفي انتهاك للقانون الدولي الإنساني. منظمتا العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش تجاهلتا رفض الحوثيين السماح لفريق دولي للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي والإنساني وتوثيق جرائم الحرب التي ترتكب في اليمن، لحفظ حقوق الضحايا ومعاقبة الجهات الفاعلة وإلزامها مستقبلا بالتعويض. ولم تثمنا موقف المملكة التي شكلت مع التحالف العربي ( في31 كانون الثاني/ يناير 2016) الفريق المشترك المستقل ليتولى تقييم الادعاءات بخصوص انتهاكات قوات التحالف العربي أثناء العمليات العسكرية في عاصفة الحزم وإعادة الأمل المساندة للحكومة الشرعية اليمنية.



المتحدث باسم الفريق، منصور أحمد المنصور، الذي أنهى التحقيق في 8 ادعاءات بشأن انتهاكات منسوبة إلى التحالف العربي، قال إن التحقيقات أظهرت بأن التقرير التي تحدثت عن استهداف المدنيين غير صحيحة. ونرجو أن يضع هذا التقرير الأمور في سياقها الصحيح.

لكن المفارقة في تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومان رايتس ووتش، هو هذا العزف الممجوج على الإعدامات بحق الإرهابيين ومهربي المخدرات والمجرمين وحقوق المرأة والمدونين والعمالة الوافدة. نريد فقط أن نذكر هؤلاء المتباكين على حقوق الإنسان بأن الولايات المتحدة قد سنت قانون الباتريوت الذي يجيز اعتقال الناس لمجرد الاشتباه بالتآمر وعد الوطنية وأن الولايات المتحدة لا تزال تطبق عقوبة الإعدام وأن الشرطة الأمريكية تقتل يوميا بعص الأمريكيين السود بدم بارد، وأن الدول التي تزعم بأنها تحترم حرية التظاهر والتعبير عن الرأي تستخدم القوة المفرطة بحق المتظاهرين وأن المدون سنودن الذي كشف تسريبات ويكيليكس مطارد من أمريكا في كل أنحاء العالم وأن معسكر جوانتنامو وسجن أبوغريب من أبشع صور انتهاكات كرامة الإنسان وأن الدول الأوروبية تتعامل مع المهاجرين بطرق لا إنسانية وأن دعوات الكراهية ضد المسلمين لا تتوقف وأن المرأة عندنا محفوظة الكرامة وليست سلعة في سوق الرقيق، وأن الغارات الجوية الأمريكية بطيار أو بدون طيار تقتل المدنيين في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وحتى اليمن نفسها، وأن طائرات بشار الأسد وفلاديمير بوتين ومرتزقة إيران و»حزب الله» قتلوا وشردوا مئات الآلاف من المدنيين السوريين، وأن آلة القتل الإسرائيلي تطحن الشعب الفلسطيني يوميا.

ختاما، على هذه المنظمات والمراكز المشبوهة أن تتوقف عن إعطائنا دروسا في الأخلاق، فقد تخرجنا في مدرسة الكرامة ولن نعود إلى الخنوع، كما يريدون!