وليد الزامل

الاقتصاد العالمي ومستقبل المدن

السبت - 12 مارس 2022

Sat - 12 Mar 2022

يعنى الاقتصاد العالمي بدراسة وتحليل مجمل الإنتاج والتوزيع وحركة رؤوس الأموال والاستهلاك للثروة وكل ما من شأنه التأثير على الأسعار والتضخم في دول العالم، بما في ذلك إزالة العوائق التي تمنع الحرية الكاملة للاستثمار، من خلال زيادة حجم ونوع التجارة سواء للسلع أو الخدمات، أو رؤوس الأموال ونقل التكنولوجيا بين الدول المختلفة. وفي هذا الصدد أنشئت العديد من المنظمات الاقتصادية الدولية مثل صندوق النقد الدولي (IMF)، والبنك الدولي (World Bank).

لقد أسهمت التقنيات الحديثة كالإنترنت في تعزيز الربط الاقتصادي بين الدول وتحقيق التكتلات الاقتصادية والتحكم في حركة التحويلات المالية، كما تم عقد العديد من الاتفاقيات والتكتلات الاقتصادية بين الدول، وأنشئت الشركات متعددة الجنسيات، وتبنت العديد من الدول سياسات وقوانين تشجع الاستثمار الأجنبي، حيث تهاجر الشركات العالمية إلى دول تتوفر بها مقومات تشجع على الاستثمار مثل توفير مساحات كافية من الأراضي، والعمالة الرخيصة، والإعفاء الضريبي وعدم وجود اشتراطات بيئية صارمة.

على المستوى العمراني، تلعب المدن دورا محوريا في منظومة السوق، مما يتطلب تأهيلها لدور منافس وذلك من خلال دعم قدرة الشركات المحلية أو الناشئة في المدن من الاستمرار في سباق المنافسة المحموم في السوق العالمي وإذابة الفوارق في سعر المنتج المحلي بالمقارنة مع المنتج المستورد، حيث أصبح اليوم بالإمكان استيراد المنتج العالمي عالي الجودة من الخارج وبسعر أرخص بكثير من المنتج المحلي. كل هذه العوامل تؤدي بلا شك إلى انسحاب الشركات المحلية تدريجيا من السوق وبالتالي يمكن أن تتأثر المدن نتيجة غياب القوى الاقتصادية المحلية. إن استمرار المدن في خضم سباق الاقتصاد العالمي سوف يستلزم التقيد بعدد من المبادئ الهامة في التخطيط والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

أولا: تحديث التشريعات العمرانية والقوانين الاقتصادية والبيئية بشكل مستمر لتتمكن المدن من جذب الشركات العالمية وتحفيز الشركات الوطنية في آن واحد وصولا نحو الاستثمار وتوفير فرص عمل للمجتمع المحلي.

ثانيا: تلعب التقنية دورا محوريا في منظومة التجارة الالكترونية بالإضافة إلى سهولة التجارة في سياق العولمة الاقتصادية يعزز التكامل الاقتصادي، مما يتطلب تبني استراتيجية مدن ذكية حقيقية، فمن المؤسف أن مدننا حتى الآن لا تلعب التقنية بها أي دور ملموس سواء في تخطيطها أو إدارتها، ومن أبسط الصور برمجة الإشارات الضوئية وتوجيه الحركة الذكية في النقل. ولعل هذا التكامل التقني، والعمراني، والاقتصادي يسهم بشكل حقيقي في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 لوصول مدننا إلى مراكز متقدمة في التنافسية العالمية.

ثالثا: تتأثر المدن بتقلبات الاقتصاد العالمي لكونها جزءا من نظام الاقتصاد العالمي. هذه التقلبات تأتي نتيجة ارتفاع أسعار النفط، والأزمات الاقتصادية العالمية، والكوارث، والحروب، على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ارتفاع أسعار النفط في بعض الدول إلى زيادة تكاليف النقل، وارتفاع أسعار السلع، والركود الاقتصادي، وزيادة البطالة، وأزمات الإسكان وتوقف تمويل المشاريع العمرانية. وعليه من المهم أن تتمتع السياسات العمرانية بقدر كبير من المرونة لتستجيب لهذه المتغيرات.

رابعا: العمل على مواءمة المدن للتطور التكنولوجي الذي يصاحب العولمة الاقتصادية في البنية المادية للمدن حيث الاتجاه نحو الصناعات التقنية أو التحويلية والتي لا تسبب ضررا للبيئة ولا تتطلب مساحات كبيرة من الأرض.

خامسا: تعتمد معظم المدن في اقتصاد ما قبل العولمة على مواردها الخاصة في تشغيل المدينة وصيانتها وتطويرها، مثلا استغلال الموارد المعدنية والمياه الجوفية والأنهار والطاقة المتجددة. ومع ذلك، يمكن للاقتصاد العالمي أن يلغي فكرة أن تعتمد المدينة على مواردها الخاصة فمدن المستقبل تعتمد على الشركات العالمية وسوق التجارة العالمية والاستثمار الأجنبي.

وهكذا فإن مستقبل المدن يتأثر بمدى تبنيها لاستراتيجيات فعالة قابلة للتطبيق تتجاوز الطرح النظري؛ وقدرة صناع السياسات العمرانية للاستجابة للتحولات الاقتصادية لتكون المدينة بيئة جاذبة للاستثمار وتحقق أعلى حجم من الإيرادات دون أن يصاحب ذلك أي مؤثرات سلبية سواء على البيئة أو المجتمع أو الثقافة السائدة.

وملخص القول يتطلب تحقيق كل ذلك تحسين الإدارة المحلية للمدن، وتعزيز المشاركة المجتمعية، والشفافية، وأنظمة الحوكمة وقياس الأداء وصولا إلى منافسة المدن عالميا.

@waleed_zm