وليد الزامل

أزمة المياه في المدن

السبت - 26 فبراير 2022

Sat - 26 Feb 2022

البيئة الطبيعية هي أحد العوامل الرئيسة التي تحدد هوية المدن، وتلعب المياه دورا هاما في تشكيل البيئات الحضرية بوصفها مصدرا للاستهلاك والزراعة والإنتاج الاقتصادي.

وبذلك، تعد المناطق الغنية بالمياه جاذبة للسكان وأكثر حيوية. تاريخيا، نشأت المدن القديمة بالقرب من الموارد المائية كالأنهار أو الآبار أو البحيرات، حاول سكان المدن القديمة الحفاظ على مواردهم المائية وحمايتها من أي مؤثرات خارجية لكونها ترتبط ارتباطا وثيقا بالنمو الاقتصادي والاستدامة والاستقرار السياسي.

اليوم، يعيش أكثر من نصف سكان العالم في المدن، ومن المتوقع أنه بحلول عام 2050، سوف تبلغ نسبة سكان المدن 68% من إجمالي السكان. وجاء هذا التمركز السكاني في المدن نتيجة عدة عوامل من أبرزها الهجرة السكانية للمدن بحثا عن تحسين أساليب المعيشة للأسر. لقد أسهم التحضر في ازدهار العديد من المدن وتنميتها؛ إلا أنه ضاعف المسؤولية على إدارات المدن الكبرى في مواجهة التحديات التي تتمثل في ضخامة المدينة وصعوبة إدارتها، والتهميش الاجتماعي واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وإدارة الموارد الطبيعية بشكل مستدام.

وفي ظل غياب التشريعات والإدارة الحضرية؛ أصبحت العديد من المدن الكبرى في الدول النامية غير قادرة على استقبال التدفقات البشرية نظرا لضعف مواردها الطبيعية وتهالك البنية التحتية وعدم القدرة على تلبية الطلب المتنامي في أنظمة الطاقة والمياه والإسكان والخدمات. وعلاوة على ذلك، أصبحت الموارد المائية المحدودة في المدن مهددة بمخاطر التلوث والأمراض والاستهلاك غير المسؤول من أجل تحقيق العوائد الاقتصادية السريعة.

في الولايات المتحدة الأمريكية، كانت هناك العديد من المدن الصحراوية التي تحولت فيما بعد إلى مناطق حضرية مكتظة بالسكان.

لقد أشار (1993) Reisner إلى أن هذا التحول ترافق مع تطوير استراتيجية لإدارة المياه في المدن أخذت في عين الاعتبار استصلاح الأراضي، وتحسين أنظمه الري، وإنشاء السدود ومخازن المياه والقنوات المائية وبشكل يحقق الاستخدام الأمثل للمياه. ففي ولاية كاليفورنيا، كان العديد من المزارعين يعتمدون على المياه الجوفية لري المحاصيل، وهو ما أدى إلى استنزاف المياه وخطر الجفاف. نتيجة لذلك، تم بناء عشرات السدود المائية وحولت مساحات شاسعة من الأراضي للزراعة، وهكذا خلقت الولاية بيئة طبيعية منتجة وأصبح اقتصاد كاليفورنيا واحدا من أكبر الاقتصادات في العالم ومركزا لاستقطاب السكان محليا، وفي ظل النمو الاقتصادي ومحدودية موارد المياه والتغيرات المناخية في العالم باتت عمليات التخطيط وإدارة المدن أكثر أهمية لضمان توفير الأمن المائي لسكانها؛ بل إن المياه تعد العامل الرئيس الذي يحدد قابلية المدينة للنمو، وتأتي أهمية تطوير الاستراتيجيات للحفاظ على مخزون المياه الجوفي لا سيما المياه الجوفية غير المتجددة والعمل على بناء السدود، وتوجيه مسارات الأودية نحو مخازن استراتيجية للمياه.

ومن الأهمية بمكان أن تعمل إدارات المدن بشكل استباقي على تطوير أنظمة مستدامة لمعالجة المياه المهدرة في المساكن والخدمات العامة للاستفادة منها في ري الحدائق والمساحات الخضراء، وأن تترافق الخطط التنموية للمدن مع سياسات تنافسية محفزة تتضمن مؤشرات قياس تربط نمو المدينة وتوسعها العمراني مع ما تقدمه من إيرادات اقتصادية وبشكل يتماشى مع حجم الموارد المائية أو الطبيعية.

@waleed_zm