وليد الزامل

أوكساجون وتحقيق المعادلة الصعبة!

السبت - 12 فبراير 2022

Sat - 12 Feb 2022

أشرت في مقال سابق إلى أن الاتجاهات المستقبلية في تنمية المدن سوف تستمر في استبدال وسائل الإنتاج التكنلوجي بديلا عن الصناعات الملوثة بالبيئة، والتي كانت سائدة إبان الثورة الصناعية.

وسوف يؤدي ذلك إلى اضمحلال بعض الصناعات التي كانت تعتمد على تسخير الموارد البشرية لتوفير أكبر قدر من العوائد الاقتصادية دون توفير أنماط معيشية ملائمة للسكان، وفي إطار لا يتوافق مع استدامة المدن.

لقد عانت الكثير من الفئات الاجتماعية من التهميش بسبب هذا التخطيط الذي قد يخدم الاقتصاديين على حساب المجتمع والبيئة والموارد.

وهكذا أضحت الكثير من المدن الكبرى في العالم في سباق محموم نحو زيادة الاستثمار الاقتصادي واستنزاف أكبر قدر من الموارد على حساب جودة الحياة، بما في ذلك البيئات السكنية وتلبية احتياجات الفئات المحرومة أو محدودي الدخل.

في عصر «الاقتصاد العالمي» والتطور الصناعي والتكنولوجي، أصبح التخطيط المواكب للاتجاهات الحديثة مطلبا لتحسين حياة الإنسان، وتعزيز النشاط الاقتصادي دون الإضرار بالبيئة الطبيعية.

وفقا لذلك فإن مخططي المدن سوف يواجهون تحديات حضرية تتمثل بمدى استجابة الفئات الاجتماعية في المدن الكبرى للتحولات الاقتصادية في عصر «الاقتصاد العالمي».

إن التغييرات الهيكلية لسوق العمل سوف تؤدي إلى انحسار البعد المكاني لوظائف المستقبل وزيادة التنافسية وانتشار الصناعة الآلية (المكننة)، وظهور أنماط جديدة من الوظائف ووسائل الإنتاج تتطلب مهارات معرفية تنسجم ومتطلبات الطفرة التكنولوجية.

وهو ما يعني ضرورة تأهيل هذه الفئات الاجتماعية لسوق العمل المستقبلي وتوفير البيئة العمرانية المناسبة لهم.

اليوم تستشرف مدينة أوكساجون مستقبل المدن الصناعية في العالم بوصفها مدينة صناعية عائمة، ومركزا للتصنيع المتقدم الذي يسعى لتحقيق التنمية الصناعية ضمن إطار معيشي يتناغم مع البيئة الطبيعية. إن تحقيق هذه المعادلة الصعبة يعتمد أساسا على فلسفة رؤية مدينة «نيوم» في إعادة تعريف نمط المعيشة والعمل باعتبارهما يتكاملان ضمن إطار واحد.

وتستهدف مدينة أوكساجون لتكون واحدة من أكثر المراكز اللوجستية تقدما من الناحية التقنية بوجود بنية تحتية تشتمل على ميناء ومطار وشبكة نقل ومرافق متقدمة، وتحتضن مدينة أوكساجون مجموعة من الصناعات المتقدمة النظيفة، لتصنع نافذة ترسم مستقبل المدن الصناعية التي تتكامل مع البيئة في إطار يعزز تحقيق مفهوم المدن المستدامة، وتركز المدينة على مجموعة من القطاعات الحيوية مثل الطاقة المتجددة، الإنتاج الغذائي المستدام، التقنية والتصنيع الرقمي، تقنيات البناء الحديثة، وتقنيات معالجة المياه وإعادة تدوير النفايات. لذلك فإن الاستثمار الصناعي بها سوف يستهدف مشاريع رائدة ومبتكرة في مجالات غير تقليدية وضمن اشتراطات بيئية صارمة.

أما الميناء الصناعي فيقع في مركز استراتيجي مهم ليكون نقطة التقاء قارات العالم الثلاث، وسوف يغير الصورة النمطية للموانئ الصناعية المزدحمة والملوثة، لكونه يعتمد على أنظمة ذكية في التفريغ والتعبئة ومستودعات ووسائل نقل ذاتية القيادة.

تساهم هذه المنظومة مجتمعة في تقليل الوقت الخاص بسلاسل الإمداد، مع توفير خدمات لوجستية سريعة تعمل بالطاقة النظيفة تضمن تحقيق سرعة عالية في التوصيل إلى المصانع مع انبعاثات كربونية صفرية.

وأخيرا، من المأمول أن تكون مدينة أوكساجون نموذجا لمدن المستقبل التي تسعى إلى تكريس مفهوم أن التنمية الحضرية تتكامل مع البيئة الطبيعية وفي مسار يتماشى مع احتياجات المجتمع؛ لتحقق بذلك المعادلة الصعبة.

@waleed_zm