سالم الكتبي

«الحوثي» وجريمة القرصنة البحرية

الأربعاء - 12 يناير 2022

Wed - 12 Jan 2022

كنا - كمراقبين - نرى في موقف المجتمع الدولي إزاء ممارسات ميليشيات «الحوثي» اليمنية وانتهاكاتها للقانون الدولي نوعا من الصمت الناجم عن الانقسامات الدولية، وكذلك التحولات المتسارعة في هيكل العلاقات الدولية، ولكن حدوث ما حذرنا منه مرارا من امتداد خطر هذه الميليشيات إلى البحر، وتحولها إلى مصدر تهديد مباشر للأمن البحري، يجعلنا ندق أجراس الإنذار بشدة خشية أن تقود الميليشيات المنتشرة في منطقتنا العالم كله إلى كارثة.

مؤخرا، احتجزت ميليشيات «الحوثي» سفينة ترفع علم الإمارات قرب ميناء الحديدة في البحر الأحمر، ونشرت «فيديو» للسفينة تحاول فيه إثبات مزاعم لم تنطل على أحد، حيث بدا ما تصوره «الحوثي» دليل إدانة خاليا من أي إدانة، فالسفينة التي سارعوا إلى تصويرها وتقديمها للعالم في محاولة خائبة لكسب التعاطف، لم تكن تحمل سوى سيارات ومعدات حاول المتحدث الحوثي عبثا الإيهام بأنها معدات عسكرية، فجاءت محاولته مثيرة للشفقة والسخرية في آن معا! لكن ما أثبتته الواقعة بالدليل القاطع هو أن هذه الميليشيات باتت تمارس القرصنة البحرية بشكل ينذر بامتداد خطرها وتوسعها ليشمل الأمن البحري، بعد أن تمادت طويلا في تهديد المملكة العربية السعودية بالصواريخ التي تطلقها بشكل شبه معتاد على المدن والمناطق الاستراتيجية!

الحوثي -عبر هذه العملية الإجرامية- يريد لفت أنظار العالم إلى قدرته على تهديد الأمن البحري في مضيق باب المندب، ويحاول كسب نقاط جديدة في صراع الهيمنة على الدولة اليمنية، ولكن الأمر يبدو أبعد من ذلك، لأن انتقال الصراع اليمني إلى البحر يجب أن يلفت انتباه المجتمع الدولي إلى هذا التطور الخطير، فميليشيات الحوثي تنفذ مخططا استراتيجيا إقليميا خطيرا، ولا يجب أن يمر مرور الكرام توقيت اختطاف السفينة التي تحمل علم الإمارات وتزامنه الذي لا تخطئه عين مراقب، مع تحركات تصعيدية أخرى أقدمت عليها أذرع ميليشياوية أخرى في العراق وسوريا والأراضي الفلسطينية، والمسألة برمتها ليست من قبيل المصادفة، فالتنسيق بين هذه الميليشيات جميعها قائم على مدار الساعة وتحركاتها محسوبة بدقة؛ لأنها جميعا تتبنى أهدافا واحدة وتتلقى تعليمات أحادية المصدر.

من المعروف أن منطقة باب المندب تعاني - أمنيا - منذ سنوات جراء انتشار عصابات القرصنة البحرية على شواطئ القرن الإفريقي، ولكن انخراط ميليشيات الحوثي في أنشطة القرصنة والجريمة البحرية يعطي للتحدي القائم في هذه المنطقة بعدا أكثر خطورة، بالنظر إلى الأجندة الطائفية التي تحملها هذه الميليشيات وتسعى إلى تحقيق أهدافها من خلال انتهاكات تتجاوز الأهداف التقليدية لجرائم القرصنة البحرية المعتادة.

أمن المياه الدولية في البحر الأحمر وباب المندب يتعرض بشكل واضح للخطر نتيجة سعي ميليشيات الحوثي للتحكم في الملاحة البحرية وترسيخ نفسها رقما صعبا يحدد قواعد المرور البحري الآمن في هذه المنطقة الاستراتيجية، والصمت على عملية القرصنة الأخيرة سيغري بتكرارها في قادم الأيام، ما يضع أمن التجارة العالمية كله في مواجهة خطر داهم.

اعتاد الحوثي القيام بما يسميه بعمليات نوعية، وهي في حقيقة الأمر انتهاكات تستهدف لفت الأنظار وخلط الأوراق لتعزيز موقفه في الصراع الدائر في اليمن، فهو لا يكف منذ أشهر عن تنفيذ خطط تعكس رغبته في الاستفادة القصوى من الارتباك الحاصل في العلاقات الدولية، وانشغال الولايات المتحدة بقضايا وملفات بعيدة عن منطقة الشرق الأوسط. والحقيقة أن استمرار العجز الدولي عن إيجاد أي تسوية سياسية للأزمة في اليمن وإجبار هذه الميليشيات المارقة على وقف هجماتها والإذعان للجهود الأممية، لا يصب في مصلحة الأمن والاستقرار العالميين.

ردع خطر ميليشيات الحوثي لن يتحقق بالنداءات والدعوات الدولية، وإذا كانت الولايات المتحدة تمر بمرحلة انتقالية تنشغل فيها عن الاضطلاع بمهامها في دعم الأمن والاستقرار بمناطق نفوذها التقليدية، فإن منطقة الخليج العربي لا تهم الولايات المتحدة، كقوة عظمى فقط، بل هي في قلب الاهتمامات الاستراتيجية لجميع القوى الكبرى من دون استثناء؛ لذا فإن من الخطأ غض الطرف عما يدور في هذه المنطقة الحيوية من أحداث، فالصين وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي لا يجب أن تنظر لانتهاكات ميليشيات الحوثي باعتبارها شأنا يخص هذا الطرف أو ذاك لأن كرة الثلج يمكن أن تكبر وتتدحرج وتؤثر سلبا في مصالح الجميع.

drsalemalketbi@